وأنَّهنَّ أبكارٌ أترابٌ في غاية سن الشباب وقوته، وفي كمال الصفاء بينهنَّ وعدم التباغض، بل نزع الغل من صدور جميع أهل الجنة، إخوانًا على سرر متقابلين، وأنَّهنَّ مطهراتٌ من جميع الآفات، مطهراتٌ من الأدناس الحسية والأدناس المعنوية، كاملاتٌ مكملاتٌ، وأنَّهنَّ قاصرات طرفهن على أزواجهنَّ من حسن أزواجهنَّ وعفتهنَّ، قاصراتٌ طرف أزواجهنَّ عليهنَّ من جمالهنَّ الفائق الذي لا يبغي بعلها بها بدلاً، ولا يقول لو أنَّ هذا الوصف أكمل من هذا، لأنَّه يرى ما يحير لبّه، ويذهل عقله من الحسن الباهر، والبهاء التام.
وأنَّهم في الجنة متعاشرون مع أحبابهم وأصحابهم، يتزاورون ويتطارحون الكلام الطيب، والأحاديث الشائقة، ويتذاكرون نعم الله وآلاءه عليهم، سابقًا ولاحقًا، ويسبِّحون الله بكرة وعشيًا، وأنَّ الله نزّههم من البول والأدناس، وكلِّ ما لا تشتهيه النفوس، بل طعامهم وشرابهم يخرج عرقًا أطيب من المسك الأَذْفَر، وأنَّ الله جمع بينهم وبين من صلح من آبائهم وأمهاتهم وأولادهم وزوجاتهم ليتم نعيمهم، ويكمل سرورهم.
وهذه الآية تجمع كلَّ نعيم تتعلق به الأماني، وتطلبه النفوس وهي قوله تعالى:﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ [الرحمن: ٤٨] وهي جمع فن، لا جمع فنن، أي كل نوع وجنس من النعيم والسرور موجود فيهما، حاصل على أكمل الوجوه وأتمها، وتمام ذلك الخلود الدايم، والنعيم المستمر، والأفراح المتواصلة التي تزداد على الدوام. فجميع ما ورد به الكتاب والسنّة من أحوال الدارين وتفاصيل ذلك كله داخلٌ في الإيمان باليوم الآخر.
والأيمان باليوم الآخر على درجتين:
أحدهما: التصديق الجازم الذي لا ريب فيه بوجود ذلك على حقيقته. فهذا لا بد فيه من الإيمان.