والدرجة الثانية: التصديق الراسخ المثمر للعمل، فإنَّ من علم ما أعد الله للطائعين من الثواب، وما للعاصين من العقاب علمًا واصلاً إلى القلب، فلابد أن يثمر له هذا الإيمان الجد في الأعمال الموصلة إلى الثواب، والحذر من الأعمال الموجبة للعقاب.
ومن أصول أهل السنّة والجماعة أنَّ الدين والإيمان اسم يجمع اعتقادات القلوب وأعمالها وأعمال الجوارح، وأنَّه يزيد وينقص ويتفاضل أهل الإيمان فيه تفاضلاً عظيمًا، وجعلهم الله في كتابه ثلاث طبقات:
سابقين إلى الخيرات، وهم الذين أدّوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرمات والمكروهات، وفضول المباحات.
وأصحاب اليمين اقتصروا على أداء الفرائض، واجتناب المحارم.
وظالمين لأنفسهم خلطوا عملاً صالحًا، وآخر سيئًا، عسى الله أن يتوب عليهم.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة: ١٢٤، ١٢٥]، وقوله:﴿ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح: ٤] ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ [مريم: ٧٦]. والهدى هو علوم الإيمان وأعماله، والنصوص على هذا الأصل من الكتاب والسنّة كثيرة جدًا.
وهو معلومٌ بالحس والوجدان؛فإن المؤمنين يتفاضلون في علوم الإيمان، قله وكثرة، وقوة يقين وضعفه، ويتفاضلون في أعمال القلوب التي هي روح الإيمان وقلبه، مثل محبة الله وخوفه ورجائه، والتوكل عليه والإنابة إليه، والإخبات والخضوع والتعظيم. هذا أمر لا يمتري فيه من له أدنى عقل.
ويتفاضلون في أعمال الجوارح كالصلاة والزكاة والصيام والحج فرض ذلك ونفله، والقيام بحقوق الله وحقوق عباده من البر والصلة للأقارب والجيران والأصحاب والإحسان إلى الخلق تفاوتًا عظيمًا.


الصفحة التالية
Icon