وهذا أيضًا برهان آخر: أنَّه لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو، وهو الذي يجيب المضطرين، وينقذ المكروبين، ويكشف السوء عن المضطهدين، وهو الذي جعل لعباده الأرض قرارًا، وأجرى لهم فيها أنهارًا، وجعلها مهادًا مهيئة لجميع مصالحهم ومنافعهم، وأنزل من السماء ماءً فأنبت به حبًا ونباتًا، وجنات ألفافًا، وأنبت به حبًا، وعنبًا وقضبًا، وزيتونًا ونخلاً، وحدائق غلبًا، وفاكهةً وأبًّا، متاعًا لكم ولأنعامكم.
وهو الذي يطعم عباده ويسقيهم، وإذا مرضوا يشفيهم، وهو الذي يحي ويميت، وإذا قضى أمرًا قال له كن فيكون.
وهو الذي يُطعِم ولا يطعَم، ويُجير ولا يجار عليه، ويُغيث ولا يُغاث.
وهو الذي خلق الإنسان وعلّمه الكتابة والبيان، وعلّم القرآن، وجعل الشمس والقمر والكواكب للمصالح المتنوعة والحسبان، والسماء رفعها ووضع الميزان، وأمر عباده أن يسلكوا طريق العدل، ولا يطغوا في الميزان.
وهو الذي مرج البحرين، هذا عذب فرات سائغ شرابه، وهذا ملح أُجاج، ومن كلِّ تأكلون لحمًا طريًا، وتستخرجون منه حلية تلبسونها، وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون.
وهو الذي سخّر لعباده جميع ما في السموات والأرض، وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة، وآتاهم من كلِّ ما سألوه بلسان المقال ولسان الحال.
وهو الذي جعل لهم الليل لباسًا، والنهار معاشًا، ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [القصص: ٧٣].
وهو الذي خلق من الماء بشرًا، فجعله نسبًا وصهرًا، وجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا.
وهو الذي جعل لهم السمع والأبصار والأفئدة، والقوى الظاهرة والباطنة.
وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر.
وهو الذي بيده الملك والحمد، وبيده الخير، ويُعِز، ويُذِل، ويُعطي، ويمنع، ويقبض، ويبسط.