ألم يحبب إليهم الإيمان ويزينه في قلوبهم، ويكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، ويجعلهم من الراشدين فضلاً منه ونعمة، والله عليم حكيم.
ألم يعصمهم من موبقات الآثام، ويحفظهم من فتن الشكوك والشبهات والأوهام.
ألم يفتح لهم أبواب التوبة الرحمة، ويأمرهم بالأسباب التي يدركون بها رحمته وينجون بها من عقابه.
ألم يجعل الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والسيئة بواحدة، ومآلها العفو والصفح والغفران، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفوا عن السيئات، ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم.
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣].
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾ [طه: ٨٢].
ألم يكن جانب فضله وكرمه ورحمته في جميع الأمور سابقًا وغالبًا: "إن رحمتي سبقت غضبي" رواه البخاري (رقم: ٧٥٥٣)، ومسلم(رقم: ٢٧٥١). ، وفي لفظ: "غلبت".
فللرحمة السبق والإحاطة والسعة، ولها الغلبة بحيث يضمحل معها أسباب العقوبة كما تقدم في الحسنات والسيئات، وإن العبد لو أفنى عمره في المعاصي، ثم في ساعة واحدة قبل أن يغرغر تاب وأناب، غفر له كل ذلك وأبدل سيئاته حسنات.
وأنًّ أدنى مثقال حبة خردل من إيمان يمنع الخلود في النار، وأنًّ الكفار و الفجار وأصناف العصاة يبارزون المولى بالمخالفات والعظائم، وهو يعافيهم ويرزقهم ويُدِرُّ عليهم النعم ويستعتبهم، ويعرض عليهم التوبة، ويُخبرهم أنَّهم إن تابوا عفى عنهم وغفر لهم، حتى إذا ماتوا وهم كفار ولم يكن فيهم من الخير مثقال ذرة وَلاَّهُمْ ما تولوا لأنفسهم ورضوا لها من الشقاء الأبدي.


الصفحة التالية
Icon