الاستعاذة مصدر استعاذ: أي: طلب العوذ والعياذ، ويقال لهما: التعوذ، هو مصدر تعوذ بمعنى فعل العوذ، ومعنى العوذ والعياذ في اللغة اللجأ والامتناع والاعتصام. فإذا قال القارئ: أعوذ بالله، فكأنه قال: ألجأ واعتصم وأتحصن بالله، ثم صار كل من التعوذ والاستعاذة حقيقة عرفية عند القراء في قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو غيره من الألفاظ الواردة، فإذا قيل لك: تعوذ أو استعذ فالمراد قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والاستعاذة ليست من القرآن بالإجماع، ولفظها لفظ الخبر ومعناه الإنشاء؛ أي اللهم أعذني من الشيطان الرجيم. والكلام عليها في مباحث.
* * *
المبحث الأول: في حكمها استحباباً أو وجوباً:
هي مسألة لا تعلق للقراءات بها، ولكن لما ذكرها شراح الشاطبية أحببت ذكرها هنا لما يترتب عليها من الفوائد، وقد تكلف أئمة التفسير والفقهاء بالكلام فيها، وأشير إلى ملخص ما ذكروه في أربع مسائل.
الأولى: ذهب الجمهور إلى أن الاستعاذة مستحبة في القراءة بكل حال في الصلاة وخارجها، وحملوا الأمر بها في قوله تعالى: ( فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) على الندب، وذهب داود بن على وأصحابه إلى وجوبها حملاً للأمر على الوجوب كما هو الأصل، حتى أبطلوا صلاة من لم يستعذ، وقد جنح الإمام فخر الدين الرازي - رضي الله عنه - إلى القول بالوجوب، وحكاه عن عطاء ابن أبى رباح، واحتج له بظاهر الآية من حيث الأمر، والأمر ظاهره الوجوب، وبمواظبة النبي - ﷺ - عليها ولأنها تدرأ شر الشيطان، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولأن الاستعاذة أحوط وهو أحد مسالك الوجوب.
وقال ابن سيرين: إذا تعوذ مرة واحدة في عمره فقد كفى في إسقاط الوجوب
وقال بعضهم: كانت واجبة على النبي - ﷺ - دون أمته. حكى هذين القولين العماد ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره.