وتأمل كيف لم يجيء في سياق الإخبار بنزول الماء منها إلا مفردة حيث وقعت لما لم يكن المراد نزوله من ذات السماء بنفسها بل المراد الوصف، وهذا باب قد فتحه الله لي ولك فلجه، وانظر إلى أسرار الكتاب وعجائبه وموارد ألفاظه جمعا وإفرادا وتقديما وتأخيرا إلى غير ذلك من أسراره، فلله الحمد والمنة لا يحصى أحد من خلقه ثناء عليه ) اهـ
ثانيا : في ذكر الرياح
والقاعدة في ذلك : أنها حيث كانت في سياق الرحمة أتت مجموعة وحيث وقعت في سياق العذاب أتت مفردة (١).
قال :( وسر ذلك أن رياح الرحمة مختلفة الصفات والمهاب والمنافع وإذا هاجت منها ريح أنشأ لها ما يقابلها ما يكسر سورتها ويصدم حدتها فينشأ من بينهما ريح لطيفة تنفع الحيوان والنبات فكل ريح منها في مقابلها ما يعدلها ويرد سورتها، فكانت في الرحمة ريحا، وأما في العذاب فإنها تأتي من وجه واحد وصمام واحد، لا يقوم لها شيء ولا يعارضها غيرها حتى تنتهي إلى حيث أمرت لا يرد سورتها ولا يكسر شرتها فتمتثل ما أمرت به وتصيب ما أرسلت إليه.
ولهذا وصف سبحانه الريح التي أرسلها على عاد بأنها عقيم، فقال :( أرسلنا عليهم الريح العقيم ) الذاريات ٤١، وهي التي لا تلقح ولا خير فيها والتي تعقم ما مرت عليه.
ثم تأمل كيف اطرد هذا إلا في قوله في سورة يونس :( هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف ) يونس ٢٢، فذكر ريح الرحمة الطيبة بلفظ ؛ الإفراد لأن تمام الرحمة هناك إنما تحصل بوحدة الريح لا باختلافها، فإن السفينة لا تسير إلا بريح واحدة من وجه واحد تسيرها فإذا اختلفت عليها الرياح وتصادمت وتقابلت فهو سبب الهلاك، فالمطلوب هناك ريح واحدة لا رياح، وأكد هذا المعنى بوصفها بالطيب دفعا لتوهم أن تكون ريحا عاصفة بل هي مما يفرح بها لطيبها.