فلينزه الفطن بصيرته في هذه الرياض المونقة المعجبة التي ترقص القلوب لها فرحا ويغتذي بها عن الطعام والشراب، والحمد لله الفتاح العليم، فمثل هذا الفصل يعض عليه بالنواجذ وتثنى عليه الخناصر، فإنه يشرف بك على أسرار عجائب تجتنيها من كلام الله، والله الموفق للصواب ) اهـ
ثم ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ أمثلة أخرى مما في القرآن من أسرار الجمع والإفراد، مثل :
؟ جمع الظلمات وإفراد النور.
؟ وجمع سبل الباطل وإفراد سبيل الحق.
؟ وجمع الشمائل وإفراد اليمين (١).
؟ ومجيىء المشرق والمغرب تارة مجموعين وتارة مثنين وتارة مفردين (٢).
القاعدة الخامسة :
الإكتفاء عن غير الأهم بذكر الأهم ؛ لدلالته عليه، فأحدهما مذكور صريحا والآخر ضمنا (٣).
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ :( ولذلك أمثلة في القرآن يحذف منها الشيء للعلم بموضعه، فمنها قوله تعالى :( وإذ قلنا ) البقرة ٣٤، ( وإذ نجيناكم ) البقرة ٤٩، ( وإذ فرقنا ) البقرة ٥٠، وهو كثير جدا بواو العطف من غير ذكر عامل يعمل في ( إذ ) ؛ لأن الكلام في سياق تعداد النعم وتكرار الأقاصيص، فيشير بالواو العاطفة إليها، كأنها مذكورة في اللفظ لعلم المخاطب بالمراد.
ولما خفي هذا على بعض ظاهرية النحاة قال : إن إذ زائدة هنا، وليس كذلك.
ومن هذا الباب الواو المتضمنة معنى رب ؛ فإنك تجدها في أول الكلام كثيرا إشارة منهم إلى تعداد المذكور بعدها من فخر أو مدح أو غير ذلك، فهذه كلها معان مضمرة في النفس، وهذه الحروف عاطفة عليها وربما صرحوا بذلك المضمر، كقول ابن مسعود :( دع ما في نفسك وإن أفتوك عنه وأفتوك ).

(١) انظر لهذه الثلاث : البدائع : ١ / ٢٠٨ ــ ٢١١ ط. ع، و : ١ / ١١٩ ــ ١٢٠ ط. م.
(٢) السابق : ١ / ٢١١ ــ ٢١٥ ط. ع، و : ١ / ١٢١ ــ ١٢٣ ط. م.
(٣) السابق : ١ / ٣٦٠ ــ ٣٦١ ط. ع، و : ١ / ٢٠٨ ط. م.


الصفحة التالية
Icon