وزعم بعض الناس : أن من هذا الباب قول عمر رضي الله عنه في الحديث الصحيح :( لا يغرنك هذه التي أعجبها حسنها حب رسول الله لها ) (١)، فقال : المعنى أعجبها حسنها وحب رسول الله، وليس الأمر كذلك، ولكن قوله :( حب رسول الله ) بدل من قوله :( هذه )، وهو من بدل الاشتمال، والمعنى : لا يغرنك حب رسول الله لهذه التي قد أعجبها حسنها، ولا عطف هناك ولا حذف، وهذا واضح بحمد الله.
القاعدة الثامنة :
إذا كان الوجهان صحيحين في العربية، واختص القرآن بأحدهما في موضع دون موضع، كان لابد لذلك الاختصاص من فائدة (٢).
مثاله : قوله تعالى ( فأخرجنا به من كل الثمرات ) فـ ( من ) ههنا لبيان الجنس لا للتبعيض والمجرور في موضع المفعول لا في موضع الظرف وإنما تريد الثمرات نفسها إلا أنه أخرج منها شيئا وأدخل من لبيان الجنس كله ولو قال :( أخرجنا به من الثمرات كلها ) لذهب الوهم إلى أن المجرور في موضع ظرف وأن مفعول ( فأخرجنا ) فيما بعد، ولم يتوهم ذلك مع تقديم ( كل ) لعلم المخاطبين أن (كلا ) إذا تقدمت تقتضي الإحاطة بالجنس وإذا تأخرت وكانت توكيدا اقتضت الإحاطة بالمؤكد خاصة، جنسا شائعا كان أو معهودا معروفا.
وأما قوله تعالى :( كلي من كل الثمرات ) ولم يقل :( من الثمرات كلها ) ؛ ففيها الحكمة التي في الآية قبلها ومزيد فائدة وهو : أنه تقدمها في النظم قوله تعالى :( ومن ثمرات النخيل والأعناب ) النحل ٦٧، فلو قال بعدها :( كلي من الثمرات كلها ) لذهب الوهم إلى أنه يريد الثمرات المذكورة قبل هذا، أعني : ثمرات النخيل والأعناب ؛ لأن اللام إنما تنصرف إلى المعهود فكان الإبتداء بـ (كل ) أحصن للمعنى وأجمع للجنس وأرفع للبس وأبدع في النظم، فتأمله.

(١) أخرجه البخاري رقم (١٤٦٨ )، ومسلم رقم ( ٢٤٧٩ ).
(٢) البدائع : ١ / ٣٦٧ ـ ٣٧٢ ط. ع، و : ١ / ٢١٢ ـ ٢١٥ ط. م.


الصفحة التالية
Icon