فالجواب عن هذه المواضع بجواب واحد وهو : أنها ليست في مقام الدعاء والطلب، وإنما هي في مقام الإخبار من الله تعالى عن هدايته إلى صراط مستقيم، وهداية رسوله إليه، ولم يكن للمخاطبين عهد به، ولم يكن معروفا لهم، فلم يجيء معرفا بلام العهد المشيرة إلى معروف في ذهن المخاطب قائم في خلده ولا تقدمه في اللفظ معهود تكون اللام معروفة إليه، وإنما تأتي لام العهد في أحد هذين الموضعين، أعني : أن يكون لها معهود ذهني أو ذكر لفظي، وإذ لا واحد منهما في هذه المواضع فالتنكير هو الأصل... ) اهـ
القاعدة العاشرة :
السر في جمع القرآن بين هذين الوصفين :( الهدى والنصر ) في كثير من المواضع (١).
وهو : أن هذين الأصلين بهما كمال السعادة والفلاح، فإن الهدى هو : العلم بالله تعالى ودينه والعمل بمرضاته وطاعته فهو العلم النافع والعمل الصالح، والنصر هو : القدرة التامة على تنفيذ دينه بالحجة والبيان والسيف والسنان، فهو النصر بالحجة واليد ؛ قهر القلوب المخالفين له بالحجة وقهر أبدانهم باليد، وهو سبحانه كثيرا ما يجمع بين هذين الأصلين ؛ إذ بهما تمام الدعوة وظهور دينه على الدين كله، كقوله تعالى :( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) التوبة ٣٣ في موضعين في سورة براءة وفي سورة الصف، وقال تعالى :( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) الحديد ٢٥، فهذا الهدى، ثم قال :( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد )، فهذا النصر فذكر الكتاب الهادي والحديد الناصر.
وقال تعالى ( ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ) آل عمران ١ ٤ فذكر إنزال الكتاب الهادي والفرقان وهو النصر الذي يفرق بين الحق والباطل

(١) البدائع : ٢ / ٤١٤ ــ ٤١٦ ط. ع، و : ٢ / ١٤ ـ ١٥ ط. م.


الصفحة التالية
Icon