وأن تفاوت معنى الأدوات عسر الفرق نحو : قصدت إليه وقصدت له، وهديته إلى كذا وهديته لكذا، وظاهرية النحاة يجعلون أحد الحرفين بمعنى الآخر، وأما فقهاء أهل العربية فلا يرتضون هذه الطريقة، بل يجعلون للفعل معنى مع الحرف ومعنى مع غيره، فينظرون إلى الحرف وما يستدعي من الأفعال فيشربون الفعل المتعدى به معناه، هذه طريقة إمام الصناعة سيبويه رحمه الله تعالى، وطريقة حذاق أصحابه = يضمنون الفعل معنى الفعل لا يقيمون الحرف مقام الحرف.
وهذه قاعدة شريفة جليلة المقدار تستدعي فطنة ولطافة في الذهن، وهذا نحو قوله تعالى :( عينا يشرب بها عباد الله ) الإنسان ٦، فإنهم يضمنون ( يشرب ) معنى ( يروي ) فيعدونه بالباء التي تطلبها فيكون في ذلك دليل على الفعلين ؛ أحدهما بالتصريح به، والثاني بالتضمن والإشارة إليه بالحرف الذي يقتضيه مع غاية الإختصار، وهذا من بديع اللغة ومحاسنها وكمالها ).
ومن هذا قوله تعالى :( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه ) الحج ٢٥ وفعل الإرادة لا يتعدى بالباء ولكن ضمن معنى : يهم فيه بكذا، وهو أبلغ من الإرادة، فكان في ذكر الباء إشارة إلى استحقاق العذاب عند الإرادة وإن لم تكن جازمة. وهذا باب واسع لو تتبعناه لطال الكلام فيه، ويكفي المثالان المذكوران.