فإذا عرفت هذا ففعل الهداية متى عدي بـ :( إلى ) تضمن الإيصال إلى الغاية المطلوبة فأتى بحرف الغاية، ومتى عدي بـ :( اللام ) تضمن التخصيص بالشيء المطلوب، فأتى باللام الدالة على الاختصاص والتعيين، فإذا قلت : هديته لكذا، فهم معنى : ذكرته له وجعلته له وهيأته ونحو هذا، وإذا تعدى بنفسه تضمن المعنى الجامع لذلك كله وهو التعرف والبيان والإلهام، فالقائل إذا قال :( اهدنا الصراط المسقيم ) هو طالب من الله أن يعرفه إياه ويبينه له ويلهمه إياه ويقدره عليه فيجعل في قلبه علمه وإرادته والقدرة عليه، فجرد الفعل من الحرف وأتى به مجردا معدى بنفسه ليتضمن هذه المراتب كلها، ولو عدي بحرف تعين معناه وتخصص بحسب معنى الحرف، فتأمله فإنه من دقائق اللغة وأسرارها ) اهـ
القاعدة الثالثة عشرة :
كثير من الاختلاف بين السلف في التفسير هو من باب اختلاف التنوع لا التضاد (١).
ومن أمثلة ذلك : اختلافهم في تفسير ( الصراط المستقيم ) فإن الناس قد تنوعت عباراتهم فيه وترجمتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته، وحقيقته شيء واحد وهو : طريق الله الذي نصه لعباده على ألسن رسله وجعله موصلا لعباده إليه ولا طريق لهم إليه سواه بل الطرق كلها مسدودة إلا هذا، وهو : إفراده بالعبودية وإفراد رسوله بالطاعة فلا يشرك به أحدا في عبوديته ولا يشرك برسوله أحدا في طاعته فيجرد التوحيد ويجرد متابعة الرسول.
فقل ما شئت من العبارات التي هذا أحسنها وقطب رحاها، وهي معنى قول من قال : علوم وأعمال ظاهرة وباطنة مستفادة من مشكاة النبوة، ومعنى قول من قال : متابعة رسول الله ظاهرا وباطنا علما وعملا، ومعنى قول من قال : الإقرار لله بالوحدانية والإستقامة على أمره.

(١) البدائع : ٢ / ٤٥٢ ــ ٤٥٣ ط. ع، و : ٢ / ٤٠ ـ ٤١ ط. م.


الصفحة التالية
Icon