وأيضا : فإن اللغة لا تساعد على هذا، فلا نعلم أحدا قال : الغاسقُ القمرُ في حال خسوفه، وأيضا فإن الوقوب لا يقول أحد من أهل اللغة : إنه الخسوف، وإنما هو الدخول من قولهم : وقبت العين إذا غارت، ومنه : الوقب للثقب الذي يدخل فيه المحور، وتقول العرب : وقب يقب وقوبا إذا دخل ) اهـ.
القاعدة العشرون :
إذا وقع اللفظان في القرآن متقابلان ـ وهو كثير ـ فهو دليل على أنهما متغايران (١).
وقد ضرب ابن القيم ـ رحمه الله ـ مثلا لذلك في تفسيره لقوله :( من الجنة والناس )، فقال :( لا يلزم من إطلاق اسم الرجل على الجني أن يطلق عليه اسم الناس، وذلك لأن الناس والجنة متقابلان، وكذلك الإنس والجن، فالله تعالى يقابل بين اللفظين، كقوله :( يا معشر الجن والإنس ) الرحمن ٣٣، وهو كثير في القرآن.
وكذلك قوله :( من الجنة والناس ) الناس ٦، يقتضي أنهما متقابلان فلا يدخل أحدهما في الآخر، بخلاف الرجال والجن فإنهما لم يستعملا متقابلين، فلا يقال : الجن والرجال، كما يقال : الجن والإنس، وحينئذ فالآية أبين حجة عليهم في أن الجن لا يدخلون في لفظ الناس ؛ لأنه قابل بين الجنة والناس، فعلم أن أحدهما لا يدخل في الآخر، فالصواب القول الثاني، وهو أن قوله :( من الجنة والناس ) بيان للذي يوسوس وأنهما نوعان : إنس وجن، فالجني يوسوس في صدور الإنس، والإنسي أيضا يوسوس إلى الإنسي، فالموسوس نوعان : إنس وجن، فإن الوسوسة هي : الإلقاء الخفي في القلب، وهذا مشترك بين الجن والإنس، وإن كان إلقاء الإنسي ووسوسته إنما هي بواسطة الأذن، والجني لا يحتاج إلى تلك الواسطة ؛ لأنه يدخل في ابن آدم ويجري منه مجرى الدم.. ) اهـ
القاعدة الحادية والعشرون :

(١) السابق : ٢ / ٨٠٧ ــ ٨٠٨ ط. ع، و : ٢ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ط. م.


الصفحة التالية
Icon