أكثر ألفاظ القرآن الدالة على معنيين فصاعدا هي من استعماله في حقيقته الواحدة المتضمنة للأمرين جميعا، وليس من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما أو استعمال اللفظ في حقيقة ومجازه (١).
ومثال ذلك قوله :( أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل )، فُسر بالزوال، وفُسر الدلوك بالغروب، وحُكيا قولين في كتب التفسير، وليسا بقولين، بل اللفظ يتناولهما معا، فإن الدلوك هو : الميل ودلوك الشمس ميلها، ولهذا الميل مبدأ ومنتهى، فمبدأه الزوال ومنتهاه الغروب، فاللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار لا يتناول المشترك لمعنييه ولا اللفظ لحقيقته ومجازه.
ومثاله ـ أيضا ـ ما تقدم من تفسير الغاسق بالليل والقمر، وأن ذلك ليس باختلاف، بل يتناولهما لتلازمهما، فإن القمر آية الليل، ونظائره كثيرة.
ومن ذلك : قوله عز وجل :( قل ما يعبأبكم ربي لولا دعاؤكم )، قيل : لولا دعاؤكم إياه، وقيل : دعاؤه إياكم إلى عبادته فيكون المصدر مضافا إلى المفعول وعلى الأول مضافا إلى الفاعل، وهو الأرجح من القولين وعلى هذا فالمراد به نوعا الدعاء وهو في دعاء العبادة أظهر، أي : ما يعبأ بكم ربي لولا أنكم تعبدونه، وعبادته تستلزم مسألته فالنوعان داخلان فيه.

(١) البدائع : ٣ / ٨٣٦ ــ ٨٣٨ ط. ع، و : ٣ / ٣ ـ ٤ ط. م.


الصفحة التالية
Icon