ونظائر ذلك أضعاف أضعاف ما ذكرنا وأوهى بكثير، بل للقرآن عرف خاص ومعان معهودة لا يناسبه تفسيره بغيرها ولا يجوز تفسيره بغير عرفة والمعهود من معانية، فإن نسبة معانية إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ بل أعظم، فكما أن ألفاظه ملوك الألفاظ وأجلها وأفصحها، ولها من الفصاحة أعلى مراتبها التي يعجز عنها قدر العالمين، فكذلك معانية أجل المعاني وأعظمها وأفخمها، فلا يجوز تفسيره بغيرها من المعاني التي لا تليق به، بل غيرها أعظم منها وأجل وأفخم، فلا يجوز حمله على المعاني القاصرة بمجرد الاحتمال النحوي الإعرابي، فتدبر هذه القاعدة ولتكن منك على بال، فإنك تنتفع بها في معرفة ضعف كثير من أقوال المفسرين وزيفها وتقطع أنها ليست مراد المتكلم تعالى بكلامه ) اهـ بتصرف.
القاعدة الثالثة والعشرون :
من شأن براهين القرآن أنها إذا أبرزت في أي صورة ظهرت في غاية الصحة والبيان (١).
ذكر ابن القيم هذه القاعدة عند شرحه لقوله تعالى :( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنه الله على الكافرين ) البقرة ٨٩.
قال :( فهذه حجة أخرى على اليهود في تكذيبهم بمحمد، فإنهم كانوا يحاربون جيرانهم من العرب في الجاهلية ويستنصرون عليهم بالنبي قبل ظهوره فيفتح لهم وينصرون، فلما ظهر النبي كفروا به وجحدوا نبوته، فاستفتاحهم به وجحد نبوته مما لا يجتمعان، فإن كان استفتاحهم به لأنه نبي كان جحد نبوته محالا، وإن كان جحد نبوته كما يزعمون حقا كان استفتاحهم به باطلا، فإن كان استفتاحهم به حقا فنبوته حق، وإن كانت نبوته ـ كما يقولون ـ باطلا فاستفتاحهم به باطل، وهذا مما لا جواب لأعدائه عنه البتة، ويمكن تقريرها على صورة عديد... ).

(١) البدائع : ٤ / ١٥٦٦ ط. ع، و : ٤ / ١٤٨ ط. م.


الصفحة التالية
Icon