قلت : علق ابن القيم (١) هنا بقوله :( أما تقديم العزيز على الحكيم، فإن كان من الحكم وهو الفصل والأمر فما ذكره من المعنى صحيح، وإن كان من الحكمة وهي : كمال العلم والإرادة المتضمنين اتساق صنعه وجريانه على أحسن الوجوه وأكملها ووضعه الأشياء مواضعها، وهو الظاهر من هذا الاسم، فيكون وجه التقديم أن العزة كمال القدرة، والحكمة كمال العلم، وهو سبحانه الموصوف من كل صفة كمال بأكملها وأعظمها وغايتها، فتقدم وصف القدرة لأن متعلقه أقرب إلى مشاهدة الخلق وهو مفعولاته تعالى وآياته، وأما الحكمة فمتعلقها بالنظر والفكر والاعتبار غالبا، وكانت متأخرة عن متعلق القدرة ) اهـ
قال : ومثله كثير في القرآن نحو :( يحب التوابين ويحب المتطهرين ) ؛ لأن التوبة سبب الطهارة، وكذلك :( كل أفاك أثيم ) ؛ لأن الإفك سبب الإثم، وكذلك :( كل معتد أثيم ).
وقال :( ومن المقدم بالرتبة :( يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ) ؛ لأن الذي يأتي راجلا يأتي من المكان القريب والذي يأتي على الضامر يأتي من المكان البعيد، على أنه قد روي عن ابن عباس أنه قال :( وددت أني حججت راجلا لأن الله قدم الرجالة على الركبان في القرآن الكريم ) (٢)، فجعله ابن عباس من باب تقدم الفاضل على المفضول، والمعنيان موجودان.
وربما قدم الشيء لثلاثة معان وأربعة وخمسة، وربما قدم لمعنى واحد من الخمسة.

(١) تعليق ابن القيم هنا هو على الإمام أبي القاسم السهيلي الأندلسي، فقد ذكر الوجه المتقدم في كتابه ( نتائج الفكر ) : ص / ٢٦٠.
(٢) أخرجه ابن جرير : ٩ / ١٣٥ ـ ١٣٦، وابن أبي حاتم : ٨ / ٢٤٨٨.


الصفحة التالية
Icon