ومما قدم للفضل والشرف :( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم )، وقوله :( النبيين والصديقين )، ومنه : تقديم السميع على البصير وسميع على بصير، ومنه : تقديم الجن على الإنس في أكثر المواضع ؛ لأن الجن تشتمل على الملائكة وغيرهم مما اجتن عن الأبصار.
وأما تقديم السماء على الأرض فبالرتبة أيضا وبالفضل والشرف.
وأما تقديم الغفور على الرحيم فهو أولى بالطبع لأن المغفرة سلامة والرحمة غنيمة والسلامة تطلب قبل الغنيمة.
وأما تقديم المال على الولد ؛ فلم يطرد هذا التقديم في القرآن الكريم، بل قد جاء مقدما كذلك في قوله :( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم )، وقوله: ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة )، وقوله :( لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله )
وجاء ذكر البنين مقدما كما في قوله :( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها )، وقوله :( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ).
فأما تقديم الأموال في تلك المواضع الثلاثة فلأنه ينتظمها معنى واحد وهو : التحذير من الاشتغال بها والحرص على تحصيلها حتى يفوته حظه من الله والدار الآخرة فنهى في موضع عن الالتهاء بها، وأخبر في موضع أنها فتنة، وأخبر في موضع آخر أن الذي يقرب عباده إليه إيمانهم وعملهم الصالح لا أموالهم ولا أولادهم، ففي ضمن هذا النهي عن الاشتغال بها عما يقرب إليه...