وأما الأرض فأكثر ما تجيء مقصودا بها معنى التحت والسفل دون أن يقصد ذواتها وأعدادها وحيث جاءت مقصودا بها الذات والعدد أتى بلفظ يدل على التعدد (١)، كقوله :( ومن الأرض مثلهن ).
وفرق ثان : وهو أن الأرض لا نسبة لها إلى السماوات وسعتها، بل هي بالنسبة إليها كحصاة في صحراء، فهي وإن تعددت وتكررت فهي بالنسبة إلى السماء كالواحد القليل فاختير لها اسم الجنس.
وفرق ثالث : أن الأرض هي دار الدنيا التي بالإضافة إلى الآخرة كما يدخل الإنسان إصبعه في اليم، فما تعلق بها هو مثال الدنيا من الآخرة، والله سبحانه لم يذكر الدنيا إلا مقللا لها محقرا لشأنها، وأما السماوات فليست من الدنيا، هذا على أحد القولين في الدنيا فإنه اسم للمكان، فإن السماوات مقر ملائكة الرب تعالى ومحل دار جزائه ومهبط ملائكته ووحيه، فإذا اعتمد التعبير عبر عنها بلفظ الجمع إذ المقصود ذواتها لا مجرد العلو والفوق، وأما إذا أريد الوصف الشامل للسماوات وهو معنى العلو والفوق أفردوا ذلك بحسب ما يتصل به من الكلام والسياق.
فتأمل قوله :( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا )، كيف أفردت هنا لما كان المراد الوصف الشامل والفوق المطلق ولم يرد سماء معينة مخصوصة.
وكذا قال الله تعالى :( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ) يونس ٦١ بخلاف قوله في سبأ :( عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ) سبأ ٣ فإن قبلها ذكر سبحانه سعة ملكه ومحله وهو السماوات كلها والأرض، ولما لم يكن في سورة يونس ما يقتضي ذلك أفردها إرادة للجنس.