فكيف يأتي الآن من يَدَّعِي الخطأ في القرآن أو يطعن في بلاغته ونظمه، سبحانك هذا بهتان عظيم، ولو قيس علمُ هذا الطاعن باللغة العربية بعلم العرب الأوائل وسليقتهم وفصاحتهم لكان البون شاسعا فأين الثري من الثريا، فمحالٌ أن يكون في القرآن شيءٌ يخالف قواعد لغة العرب، فإن اللغة أساسُها القرآن الكريم، وهو الذي حفظ لغة العرب، ولو كان فيه شيء من ذلك - حاشا وكلا - لكان أول من يستخرجه كفار قريش، ولشنَّعوا به علي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولمَّا لم يحدث شَيْء من ذلك، علمنا أن هذا القرآنَ كلامُ الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
قال الله تعالي :" أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢) "( سورة النساء ٨٢).
*** بل لقد شهد أعداؤه العالمون باللغة العربية بفصاحة القرآن وبلاغته :
فعن ابن عباس رضي الله عنهما :" أن الوليد بن المغيرة جاء إلي رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرأ عليه القرآن، فكأنه رَقَّ له، فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فَسَلَّم، قال: يا عمّ إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً، قال : لم، قال : ليعطوكه فإنك أتيت محمداً لتعرض ما قبله، قال : قد علمت قريش أني أكثرها مالاً، قال : فقل فيه قولا أنك منكر له، قال : وماذا أقول فوالله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه، ولا بقصيده مني، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، و والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدقٌ أسفله، وإنه ليعلو ولا يُعْلَي عليه، وإنه ليَحْطِمُ ما تحته ".
رواه إسحاق بن راهوية في مسنده والحاكم (٣٨٧٢) والبيهقي في دلائل النبوة (٥٠٥) وصحح إسناده الحاكم والذهبي والألباني.
(١/١٦)