قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى في كتاب الإتقان في علوم القرآن الكريم (١/٥٤١) :" وقوله تعالي " وَالصَّابِئُونَ " فيه أوجه :( أحدهما ) أنه مبتدأ حذف خبره أي وَالصَّابِئُونَ كذلك ] أي مثل اليهود والنصارى [، ( الثاني ) أنه معطوف علي محل إن مع اسمها فإن محلهما الرفعُ بالابتداء، ( الثالث ) أنه معطوف علي الفاعل في " هَادُوا "، ( الرابع ) أن " إن " بمعني " نعم " فالَّذِينَ آَمَنُوا وما بعدها في موضع رفع، و " الصَّابِئُونَ " عطف عليه، ( الخامس ) أنه علي إجراء صيغة الجمع مجرى المفرد والنون حرف الإعراب" ا. هـ.
قلت : سبقه إلي ذكر هذه الأوجه الإعرابية الإمام أبو البقاء العُكْبُري في كتابه " إملاء ما منَّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن " (١/٢٢١) : و ذكر أن الوجه الأول هو قول سيبويه، وزاد وجها (سادسا) وهو أن " الصَّابِئُونَ " علي لغة بلحرث من قبائل العرب وهم يجعلون التثنية بالألف علي كل حال والجمع بالواو علي كل حال. وذكر العلماء أن أصح الوجوه هو الوجه الأول وقد ورد مثل ذلك في لغة العرب وشعرها. قال الشاعر :
فمن يكُ أمسى بالمدينة رَحْلهُ * فإني وقيارٌ بها لغريب
فرفع " قيارٌ " وهو معطوف علي اسم إن المنصوب، والمعني : إني غريب وقيارٌ كذلك.
وانظر تفسير القرطبي (٦/٢٤٦-٢٤٧) ومشكل إعراب القرآن (١/٢٣٢) لمكي بن أبي طالب القيسي.
( فائدة مهمة ) ذكر الشيخ محمود بن حمزة الكرماني في كتاب " أسرار التكرار في القرآن" (١/٣١-٣٢) أن القرآن قدم الصَّابِئِينَ في الذكر علي النصاري في سورة الحج لأنهم متقدمون عليهم في الزمان والتاريخ. وأخرهم عنهم في سورة البقرة لأنهم أهل كتاب ولشرف عيسي عليه السلام عبد الله ورسوله. وراعى في سورة المائدة بين المعنيين فقدمهم في اللفظ وأخرهم في المعني والتقدير : وَالصَّابِئُونَ كذلك. قال :" فتأمل فيها وفي أمثالها يظهر لك إعجاز القرآن " ا. هـ.


الصفحة التالية
Icon