والله أعلم.
(١/١٩)
الشبهة الثانية
قال أعداء الإسلام :
" جاء في سورة البقرة ٢ : ١٢٤ " قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ". وكان يجب أن يرفع الفاعل فيقول : الظالمون ". ا. هـ.
*** والجواب بتوفيق الله تعالي :
قوله تعالى في سورة البقرة ( ١٢٤ ) :" قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ". جمع أنواعا من البلاغة وفنونا من الفصاحة.
قال علماء البلاغة :" جَمَعَت هذه الكلمات القليلة ـ وهي بعضُ آية ـ ثلاث مراجعات فيها معاني الكلام : فجمعت الخبر والطلب والإثبات والنفي والتأكيد والحذف والبشارة والنِّذارة والوعد والوعيد " ا. هـ. (الإتقان ٢/٢٥٨)
و" العهد " هنا فاعل، و " الظَّالِمِينَ " مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم، والمعني أن الله سيجعل من ذرية إبراهيم أئمة وأنبياء وهذا الخير لا ينالُ الظالمين ولا يدخلون فيه كما أن الله تعالي وعد نوحا أن ينجي أهله فلما غرق ابنُه الكافر قال نوح عليه السلام :
" رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ " (سورة هود ٤٥) فقال له ربه عز وجل :" إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح " (سورة هود ٤٦) فبين له أن وعد الله تعالي بنجاة أهله لا ينالُ ابنَه. والنكتة في ذلك أن الهُدَي والنُّبُوَّة رحمةٌ من الله تعالي ينزلها علي من يستحقها من عباده عز وجل، وهذا من كمال علم الله وحكمته، قال الله سبحانه وتعالى :
" وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون " (سورة القصص ٦٨). والله سبحانه هو الذي يقسم بين الناس الهدى والرحمات والبركات لا أن الناس ينالونها بقوتهم وعمَلِهم ومالِهِم وإلا لنالها اليهود بمالهم وعلمهم، ولكن كما قال الله تعالي :