قول الله تبارك وتعالى :" مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ " سورة البقرة ( ١٧)
قال ابن النحاس في معاني القرآن الكريم (١/١٠٢) :
" قال ابن كيسان : القصد في التشبيه كان إلي الفعل ولم يكن إلي تشبيه العين بالعين، فصار مثل قوله تعالي :" مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ "( سورة لقمان ٢٨ ). فالمعني إلا كبعث نفس واحدة، وكإيقاد الذي استوقد نارا "اهـ.
وقال الإمام ابنُ جرير الطبري في تفسيره (١/١٤٠) بعد أن ذكر الشبهة التي ذكرها نصارى زماننا :" أما في الموضع الذي مثَّل ربنا جل ثناؤه جماعة من المنافقين بالواحد الذي جعله لأفعالهم مثلا فجائز حسن، وفي نظائره، كما قال جل ثناؤه في نظير ذلك :" تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ " ( سورة الأحزاب ١٩ )، يعني كدوران عين الذي يغشي عليه من الموت، وكقوله :" مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ " ( سورة لقمان ٢٨ ). فأما تمثيل الجماعة المنافقين بالمستوقد الواحد فإنما جاز لأن المرادَ من الخبر عن مثل المنافقين الخبرُ عن مثل استضاءتهم بما أظهروا بألسنتهم من الإقرار وهم لغيره مستبطنون من اعتقاداتهم الرديئة وخلطهم نفاقهم الباطن بالإقرار بالإيمان الظاهر، والاستضاءة - وإن اختلفت أشخاص أهلها - معني واحد لا معان مختلفة، فالمثل لها في معني المثل للشخص الواحد من الأشياء المختلفة الأشخاص، وتأويل ذلك : مثل استضاءة المنافقين بما أظهروه من الإقرار بالله وبمحمد صلي الله عليه وسلم، وبما جاء به قولا، وهم به مكذبون اعتقاداً، كمثل استضاءة الموقِد ناراً، ثم أسقط ذكر الاستضاءة وأضيف المثل إليهم، كما قال نابغة بني جعدة :
وكيف تُواصِل من أصبحتْ * خلَالَته كأبي مرحب