وقال الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالي في تفسيره ( ٢/٩٥ ) :" فإن قال قائل: فكيف قيل " وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ " وقد علمتَ أن " البر " فعل، و " مَنْ " اسم فكيف يكون الفعل هو الإنسان، قيل : إن معني ذلك غير ما توهمته، وإنما معناه : ولكن البر كمن بالله واليوم الآخر، فوضع " مَنْ " موضع الفعل، اكتفاء بدلالته ودلالة صلته التي هي صفة من الفعل المحذوف، كما تفعله العرب فتضع الأسماء مواضع أفعالها التي هي بها مشهورة فتقول : الجود حاتم، والشجاعة عنترة، وإنما الجود حاتم والشجاعة عنترة، ومعناها : الجود جود حاتم، فتستغني بذكر حاتم إذ كان معروفا بالجود من إعادة ذكر الجود بعد الذي قد ذكَرَتْه، فتضعه موضع جوده لدلالة الكلام علي ما حذفته استغناء بما ذكرته عما لم تذكره، كما قيل :" وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا " ( سورة يوسف ٨٢ )، والمعني : أهل القرية، وكما قال الشاعر وهو ذو الخِرَق الطُّهَوي :
حَسِبْتَ بُغَامَ رَاحِلَتِي عَنَاقًا * وَمَا هي وَيْبَ غَيْرِكَ بالعَنَاقِ
يريد بغام عناق أو صوت، كما يقال : حسبت صياحي أخاك، يعني به حسبت صياحي صياح أخيك " ا. هـ.
وهذا الذي ذكره الطبري بدلائله من لغة العرب، هو قول سيبويه واختيار ابن جِنِّي من أئمة اللغة، و ذكره ابن منظور في لسان العرب (٤/٥١).
وراجع إن شئت تفسير الإمام القرطبي ( ٢/٢٣٨- ٢٣٩ ) فقد أورد دلائل أخرى علي وقوع مثل ذلك في لغة العرب الفصيحة الصحيحة، والله أعلم.
(١/٣٢)
الشبهة الخامسة عشرة
قال المبطِلُون :
" جاء في سورة البقرة ٢: ١٧٧ " وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ". وكان يجب أن يُرفع المعطوف علي المرفوع فيقول : والموفون، والصابرون " ا. هـ
*** والجواب بتوفيق الله تعالي :


الصفحة التالية
Icon