قال الإمام محمد بن جرير الطبري في تفسيره (٣/٢٩٦) :" أما قوله " ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " فإنما قال له :" فَيَكُونُ " وقد ابتدأ الخبر عن خلق آدم وذلك خبر عن أمر قد تقضى، وقد أخرج الخبر عنه مخرج الخبر عما قد مضى، فقال جل ثناؤه :" خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ " لأنه بمعني الإعلام من الله لنبيه [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] أن تكوينه الأشياء بقوله : كن. ثم قال :" فَيَكُونُ " خبر مبتدأ، وقد تناهي الخبر عن أمر آدم عند قوله :" كُنْ "، فتأويل الكلام إذًا : إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ، واعلم يا محمد [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] أنَّ ما قال له ربك كن فهو كائن. فلما كان في قوله :" كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ " دلالة علي أن الكلام يراد به إعلام نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسائر خلقه أنه كائن ما كوَّنه ابتداءً مِنْ غير أصْل ولا أوَّل ولا عنصر، استغني بدلاله الكلام عن المعني، وقيل :" فَيَكُونُ " فعطف بالمستقبل علي الماضي علي ذلك المعني. وقد قال بعض أهل العربية :" فَيَكُونُ " رُفِعَ علي الابتداء، ومعناه كن فكان، فكأنه قال : فإذا هو كائن " ا. هـ.
وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره (٤/١٠٣) :" تم الكلام عند قوله :" كَمَثَلِ آَدَمَ " ثم قال :" خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " أي فكان، والمستقبل يكون في موضع الماضي إذا عُرف المعني ". ا. هـ.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير (١/٣٩٨) :" قوله تعالي :" ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " أي فكان فأريد بالمستقبل الماضي، كقوله تعالي :" وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ " أي ما تلت الشياطين " ا. هـ.


الصفحة التالية
Icon