قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره (١١/٢٦٨-٢٦٩) :" وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا " أي تناجَوا فيما بينهم بالتكذيب، ثم بَيَّنَ مَنْ هم فقال :" الَّذِينَ ظَلَمُوا " أي الذين أشركوا، فالذين ظلموا بدل من الواو في " أسروا "، وهو عائد علي الناس المتقدم ذكرهم، ولا يوقف على هذا القول علي " النَّجْوَى "، قال المُبَرِّد : وهو كقولك " إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله "، فبنو بدل من الواو في " انطلقوا ". وقيل هو رفع علي الذم أي هم الذين ظلموا. وقيل :" علي حذف القول، التقدير : يقول الذين ظلموا، وحذف القول مثل قوله تعالي :" وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ " (سورة الرعد ٢٣ - ٢٤ ) أي يقولون :" سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ". واختار هذا القول النحاس، قال : و الدليل علي صحة هذا الجواب أن بعده " هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ". وقول ( رابع ) يكون منصوبا بمعني : أعني الذين ظلموا، وأجاز الفرَّاء أن يكون خفضا بمعني : اقترب للناس الذين ظلموا حسابهم، ولا يوقف علي هذا الوجه علي " النَّجْوَى"، ويوقف علي الوجوه الثلاثة المتقدمة قبله فهذه خمسة أقوال، وأجاز الأخفش الرفع علي لغة، قال القرطبي : وهو حسن ". ا. هـ بتصرف.
قلت : واللغة التي ذكرها الأخفش لقبيلة طيء، وهم يلحقون علامات التثنية والجمع بالفعل، وهذه اللغة الفصيحة الصحيحة مشهورة عند النحاة باسم :" أكلوني البراغيث ".
ووردت في القرآن الكريم والحديث الشريف، ومن ذلك قول الله تعالي :" ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ " ( سورة المائدة ٧١ ) (١). والله أعلم وأحكم.
ــــــــــــــ
(١) انظر الإتقان للسيوطي (١/٥٢٦) وتفسير الطبري (١٧/٢) وإعراب القرآن لمكي بن أبي طالب (٢/٤٧٧).
(١/٤٠)
الشبهة الثالثة و العشرون
قال المُعْتَدُون :


الصفحة التالية
Icon