وقال السيوطي في الإتقان (٢/٢٢٨) :" الالتفات : نقل الكلام من أسلوب إلي آخر، أعني من التكلم أو الخطاب أو الغيبة إلي آخر منها بعد التعبير بالأول هذا هو المشهور، [ زاد ] السكاكي : أو التعبير بأحدهما فيما حقه التعبير بغيره، وله فوائد : منها تطرية الكلام، وصيانة السمع عن الضجر والملال لما جبلت عليه النفوس من حب التنقلات والسآمة من الاستمرار علي منوال واحد، وهذه فائدته العامة، ويختص كل موضع بنُكَت ولطائف باختلاف محله ". ثم قال السيوطي :"ومثال الالتفات من الخطاب إلى الغيبة قول الله تعالي :" حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ " ولم يقل " بكم "، ونُكْتَةُ العدول عن خطابهم إلي حكاية حالهم لغيرهم : التعجب من كفرهم وفعلهم، إذ لو استمر علي خطابهم لفاتت تلك الفائدة، وقيل لأن الخطاب أولا كان مع الناس مؤمنهم وكافرهم بدليل :" هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ " فلو كان "وجرين بكم" للزم الذم للجميع، فالتفت عن الأول للإشارة إلي اختصاصه بهؤلاء الذين شأنهم ما ذكره عنهم في آخر الآية عدولا من الخطاب العام إلي الخاص، قلت : ورأيتُ عن بعض السلف في توجيهه عكس ذلك وهو أن الخطاب أوله خاص وآخره عام. فأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أنه قال :" ذكَرَ الحديثَ عنهم ثم حدثَ عن غيرهم، ولم يقل وجرين بكم لأنه قصد أن يجمعهم وغيرهم، وجرين بهؤلاء وغيرهم من الخلق " هذه عبارته، فلله در السلف ما كان أوقفهم علي المعاني اللطيفة التي يدأب المتأخرون فيها زمانا طويلا ويُفْنُون فيها أعمارهم ثم غايتهم أن يحوموا حول الحمي.


الصفحة التالية
Icon