وأما الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه (١٠/ ٣١ - ٣٣ بشرح النووي ) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
"جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْضِعِيهِ، قَالَتْ وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ ". وفي رواية : قال صلي الله عليه وسلم : أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبْ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ ".
*** قال العلماء : هذا الحديث يتضمن كمال رحمة الإسلام وعدله وحفظه للحرمات ؛ وبيانُ ذلك أن أبا حذيفة رضي الله عنه كان قد تبني سالما رضي الله عنه وهو صغير قبل تحريم التبني، فلما حرَّم اللهُ عز وجل التبني رُدَّ كل إنسان إلي أبيه، ولما لم يكن أبو سالم موجودا - لأنه من بلاد فارس وسبي صغيرا - نُسِبَ نسبة ولاء إلي أبي حذيفة، لقوله تعالى :" ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٥) " (سورة الأحزاب ٥).
وكان سالم حافظا للقرآن، ومن مناقبه العظيمة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استمع إلي قراءته القرآن فقال :" الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك ". وهو مِنَ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، شهد غزوة بدر، وكان يؤم المهاجرين بالمدينة قبل هجرة الرسول صلي الله عليه وسلم لأنه كان أحفظهم.


الصفحة التالية
Icon