بعد النظر في الأساليب الأساسية التي استعملها يفيم ريزفان ليبرهن على ادعاءاته التي تخالف العقائد الإسلامية، سندرس أهم آراء المستشرق حول كتاب الله، والتي بنى عليها كتابه ((القرآن وعالمه)). وقد بينَّا أن ريزفان قام بتحليل المعلومات العلمية الكثيرة التي جمعها المستشرقون من أوروبا وروسيا في هذا المجال. وكثيراً ما يدَّعي المؤلف احترامه للإسلام ويبين دوره العظيم في تكوين الحضارة الروسية ويظهر عدم تحيزه في دراسة القرآن الكريم حتى يوهم القارئ أنه من الباحثين المنصفين. والحقيقة أنه يثير الشبه حول الكتاب والسنة وينتقد المناهج العلمية التي سار عليها علماء الإسلام. أما دراساته القرآنية فقصده فيها - حسب قوله - دراسة مجموعة الظروف الاجتماعية والاقتصادية وغيرها التي صار القرآن بينها ظاهرة فريدة للحضارة العالمية(١). معناه أن المؤلف يريد أن يستكشف أسباب نصر الدين الإسلامي وطبيعة تأثير القرآن في حياة المجتمع الإسلامي على مدى أربعة عشر قرنا. ومما أبعده عن بلوغ هذا المقصد أنه درس القرآن على ضوء الثقافة الغربية.
ويشير ريزفان إلى الخلاف الواقع بين الفلاسفة في إمكان معرفة ثقافة ما على ضوء ثقافة أخرى. وقد حسب أسوالد شبنجلر أن المؤرخ لا يقدر على إدراك الثقافات الأخرى غير ثقافته. ورغم ذلك يزعم ريزفان أن منهجه البحثي يمكنه من استعادة المحيط الذي عاش فيه النبي صلى الله عليه وسلم. وبهذا الصدد يذكر المؤلف قول الباحث الروسي باختين: ((إنا نطرح على الحضارة الغريبة أسئلة جديدة لم تطرحها على نفسها ونفتش فيها عن أجوبة لها، وتجيبنا الحضارة الغريبة بفتح جهاتها الجديدة وإظهار معانيها الطريفة. ولا يمكن استيعاب الشيء الآخر الغريب إلا عن طريق طرح أسئلتك الجدية والمستقيمة. وحينئذ يمكن الحوار بين حضارتين متمايزتين؛ بل تحفظ كل منهما وحدتها وتزداد غنىً))(٢).

(١) ريزفان، القرآن وعالمه، ص ٧.
(٢) المصدر نفسه، ص ٦٣.


الصفحة التالية
Icon