ثم يدعي المؤلف أن كثيرا من الصحابة كانوا يحفظون نصوص القرآن التي كانت تختلف عن الرسم العثماني، فيشير إلى أن الخلاف بين القراء ما زال موجودا حتى أفرد الإمام ابن مجاهد المتوفى عام ٣٢٤ه القراءات السبع المعروفة، فدونها في كتابه ((السبعة)). ويؤكد المستشرق أن الحكام نهوا المسلمين عن تلاوة القرآن بالقراءات الأخرى فيستند إلى قصة ابن شنبوذ التي رواها ابن كثير في حوادث سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة فقال: ((فيها أحضر ابن شنبوذ المقرئ، فأنكر جماعة من الفقهاء والقراء عليه حروفا انفرد بها، فاعترف ببعضها، وأنكر بعضها فاستتيب من ذلك، واستكتب بخطه بالرجوع عما نقم عليه، وضرب سبع درر بإشارة الوزير أبي علي بن مقلة، ونفي إلى البصرة أو غيرها، فدعا على الوزير أن تقطع يده ويشتت شمله، فكان ذلك عما قريب))(١).
وحسب رأي الكاتب فإن تشكيل كلمات القرآن أي كتابة النص المتفق عليه بمعناه التام مرتبط بالمناقشات العقدية الحادة الواقعة في المجتمع الإسلامي منذ القرن الثامن إلى القرن العاشر الميلادي(٢). ويُفسّر إصرار الحكام على مكافحة القراءات الشاذة بأن استعمال الأشكال المختلفة للنص القرآني وضبط هجائه كان يرتبط ارتباطا قويا بتطور علم التفسير وبالتالي بالصراع العقدي في المجتمع العربي الإسلامي(٣).
ويستنتج من أقوال ريزفان أن ضبط النص القرآني كان يجري خلال عدة قرون مع الصراع السياسي العقدي الحاد. وقد صرح بهذا المستشرق فقال: ((إن إحداث الكتاب – أي الكتاب المقدس للمسلمين - القابل للتنافس كان مرتبطا مباشرة ببناء الأمة العربية في حد ذاتها. ويستغرق تاريخ النص القرآني عدة عصور، وهو مرتبط بالأحداث المهمة في تاريخ الإسلام))(٤).

(١) ابن كثير، البداية والنهاية ١١/٢٣٩
(٢) ريزفان، القرآن وعالمه، ص ١٧٣.
(٣) المصدر نفسه، ص ١٧٨.
(٤) ريزفان، القرآن وعالمه، ص ٤٣.


الصفحة التالية
Icon