ولما انتشرت في الأمصار مصاحف مكتوبة على قراءات الصحابة الذين أخذوا عنهم القرآن اختلف الناس في القراءة، وبلغ هذا الخبر الخليفة، وهو عثمان بن عفان رضي الله عنه. فأراد أن يجمع الأمة على مصحف واحد، فاستشار مَنْ معه من الصحابة حول ذلك الأمر وانتدب له أربعة من ذوي الحفظ والمعرفة بالكتابة، وهم زيد بن ثابت الأنصاري، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام(١).
وذكر ابن حجر أن نسخ المصاحف العثمانية قام بها اثنا عشر رجلا منهم هؤلاء الأربعة، وأبي بن كعب، ومالك بن أبي عامر، وكثير بن أفلح، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وسكت الحافظ عن بقية الثلاثة(٢).
وحدَّد الخليفة لهم الأساس اللغوي الذي يستندون إليه في تثبيت نص القرآن، والقراءة التي يرسمون نطقها في المصاحف، فجاء في تلك الرواية: وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل القرآن بلسانهم. وطال بحث العلماء في مسألة نزول القرآن بلغة قريش بما يغني عن إعادة الكلام عليها هنا.
فكان القرآن متداولا على نحو كتاب كامل منذ خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولا نعلم أن أحدا من الصحابة أنكر عليه جمع الناس على مصحف واحد. أما عبد الله بن مسعود فإنه لم يخالف أمر الخليفة بجمع المسلمين على مصحف واحد ولم يَخَفْ من تحريف القرآن، ولكنه شق عليه صرفه عن كتابة المصحف.

(١) رواه البخاري من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه برقم ٣٣١٥.
(٢) ابن حجر، فتح الباري ٩/٢٥.


الصفحة التالية
Icon