وخلاصة القول أن المسلمين لم ينكر منهم أحد قرار الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، كما لم يكن بينهم خلاف في جمع صحائف أبي بكر من قبل. أما كون المصحف غير موجود في عهد النبي ﷺ فقد ذكرنا بعضا من أسباب ذلك، ولا يدل ذلك ألبتة على تعدد نصوص القرآن في عصر الصحابة. ودلت الأحاديث الصحيحة على أن جماعة منهم حفظوا القرآن وجمعوه قبل موت الرسول صلى الله عليه وسلم.
عن مسروق قال: ذكر عبد الله عند عبد الله بن عمرو فقال: ذاك رجل لا أزال أحبه، بعد ما سمعت رسول الله ﷺ يقول: استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود - فبدأ به - وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل. قال: لا أدري بدأ بأُبي أو بمعاذ(١).
والأربعة المذكورون اثنان منهم من المهاجرين وهما المبدوء بهما واثنان من الأنصار وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة، ومعاذ هو ابن جبل. وقال الحافظ في الفتح: ((وقد قتل سالم مولى أبي حذيفة بعد النبي ﷺ في وقعة اليمامة، ومات معاذ في خلافة عمر، ومات أبي وابن مسعود في خلافة عثمان، وقد تأخر زيد بن ثابت وانتهت إليه الرياسة في القراءة، وعاش بعدهم زمانا طويلا، فالظاهر أنه أمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول، ولا يلزم من ذلك ألا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن؛ بل كان الذين يحفظون مثل الذين حفظوه وأزيد، منهم جماعة من الصحابة، وقد تقدم في غزوة بئر معونة أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم القراء وكانوا سبعين رجلا))(٢).

(١) رواه البخاري برقم ٣٥٤٨ وأطرافه في الأرقام ٣٥٩٥، ٣٥٩٧، ٤٧١٣، وانظر: ٣٥٤٩.
(٢) ابن حجر، فتح الباري ٩/٦٠.


الصفحة التالية
Icon