أننا إذا سلَّمنا بصحة هذا الخبر، فإنه يحتمل أن سؤال عروة لعائشة لم يكن عن اللحن(٣٦) في الكتاب الذي هو الخطأ والزلل والوهم، وإنما سألها عن الحروف المختلفة الألفاظ، المحتملة للوجوه على اختلاف اللغات، وإنما سمَّى عروة ذلك لحنًا، وأطلقت عليه عائشة الخطأ على جهة الاتساع في الأخبار، وطريق المجاز في العبارة، إذ كان ذلك مخالفًا لمذهبهما، وخارجًا عن اختيارهما، وكان خلافه هو الأولى عندهما.(٣٧)
أنه يحتمل أيضًا أن قول عائشة: " أخطؤوا في الكتاب" أي في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه.
أي أن الوجه الظاهر المعروف في هذه الحروف غير ما جاء به المصحف، وأن استعماله على ذلك الوجه غامضٌ أو غلطٌ عند كثير من الناس، ولحن عند من لا يعرف الوجه فيه، لا أن الذي كتبوه من ذلك خطأٌ خارج عن القرآن، والدليل على ذلك أن غير الجائز من كلِّ شيءٍ مردودٌ بإجماع، وإن طالت مدة وقوعه.(٣٨)
الأثر الثاني:
أن كلام عائشة في قوله تعالى: } يُؤْتُونَ مَا ءَاتَوْا {،(٣٩) ليس فيه إنكار هذه القراءة المتواترة، وإنما غاية ما فيه أن ما قرأت هي به كان مسموعًا عن رَسُول اللهِ ؟ منَزَّلاً من عند الله.
أن قولَها: "وَلَكِنَّ الْهِجَاءَ حُرِّفَ" يحتمل أن يكون المراد به أنه ألقي إلى الكاتب هجاءٌ غيرُ ما كان الأولى أن يُلْقَى إليه من الأحرف السبعة.
أنه يحتمل أيضًا أن يكون مأخوذًا من الحرف، الذي هو بمعنى القراءة واللغة، وأنَّها أرادت أن هذه القراءة المتواترة التي رُسم بِها المصحف لغةٌ ووجهٌ من وجوه أداء القرآن الكريم.(٤٠)
الأثر الثالث:
أن هذه الرواية غير ثابتة عن ابن عباس.
قال أبو حيان: ومن روى عن ابن عباس أن قوله: (تستأنسوا) خطأ، أو وهم من الكاتب، وأنه قرأ: (حتى تستأذنوا)، فهو طاعنٌ في الإسلام، ملحدٌ في الدين، وابن عباسٍ بريءٌ من هذا القول، وتستأنسوا متمكنةٌ في المعنى، بيِّنَةٌ الوجه في كلام العرب.(٤١)


الصفحة التالية
Icon