قال ابن حجر: ومِما يوضح أن قوله زاجرٌ وآمرٌ الخ ليس تفسيرًا للأحرف السبعة: ما وقع في مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عقب حديث ابن عباس، قال ابن شهاب: بلغني أن تلك الأحرف السبعة إنَّما هي في الأمر الذي يكون واحدًا لا يختلف في حلال ولا حرام.(١٢)
قال ابن عطية: هذا القول ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى أحرفًا، وأيضًا فالإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلالٍ، ولا تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.(١٣)
القول الرابع: أن المراد سبع لغات من لغات العرب الفصحى أنزل بِها القرآن، فهي متفرقة فيه، لا على أن هذه اللغات تجتمع في الكلمة الواحدة.(١٤)
وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن يحيى ثعلب، وصححه البيهقي، واختاره ابن عطية، وحكاه بعضهم عن القاضي أبي بكر الباقلاني.(١٥)
ويكفي في ردِّ هذا القول ما سبق من اختلاف عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم في القراءة، وهما قرشيان، ولغتهما واحدة، فدلَّ على أن اختلافهما لم يكن في اللغات.(١٦)
كما أن قولهم إن هذه اللغات مفرقة في القرآن الكريم مردودٌ بأنه لو كانت الأحرف السبعة لغات في مواضع متفرقة من القرآن لَما حصل خلاف بين القراء في شيء من القرآن؛ لأن كل موضع سيكون مقروءًا بوجه واحد، ولَما حصلت المناكرة بين الصحابة عند سماع بعضهم قراءة بعضٍ.
ويرد هذا القول أيضًا أن نزول القرآن على سبعة أحرف إنَّما كان تيسيرًا على المكلفين، بنص الحديث، فلو فرض أن القرآن مؤلف من عدة لغات، كل جزء من لغة، لَما أمكن أهل كل لغة أن يقرؤوا منه إلا جزءًا واحدًا، وهو النازل بلغتهم.(١٧)
القول الخامس: أن المراد سبع لغات، ولكن على أن تكون في الكلمة الواحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كقول القائل: هلمَّ، وتعالَ، وأقبلْ، وإليَّ، ونحوي، وقصدي، وقُرْبي.
وهو قول سفيان بن عيينة وابن جرير الطبري والطحاوي، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء.(١٨)