إذا نظرنا في الأخبار الواردة في الأحرف السبعة، وتفحصنا ألفاظها، لم نجد فيها عبارة صريحة تبين المراد بالأحرف السبعة، والذي يظهر أن ذلك كان لوضوح المراد منها عند السلف الأول، بشكل لا يحتاج معه إلى تفسير، حتى تتحقق الحكمة من الرخصة، فليس من المعقول أن يرخص لهم في شيء مجهول.
ولَما كانت الحاجة في بداية الأمر إلى إزالة ما وقع في نفوس الصحابة ؟ من شبهة وقوع التناقض والاضطراب، أو التصرف في كتاب الله تعالى، لأنَّهم ألفوا أول الأمر قراءة القرآن على وجه واحد، ثم سمع بعضهم بعضًا يقرأ على أوجهٍ متغايرة، أزال النَّبِيّ ؟ هذه الخواطر بأن أخبرهم بالرخصة، وضرب لَهم مثالاً على أنواع الاختلاف بين هذه الأوجه، وأنه ليس من باب التناقض والتضاد، بل من باب التنوُّع وزيادة المعاني.
وعند تدبر أوجه القراءات المتواترة التي نقلت إلينا نجد أن اللفظ الواحد قد يُقْرأ بأوجهٍ متعددةٍ، والناس إلى يومنا هذا يتناكرون عند سماع هذه الوجوه إذا لم يكن لهم سابقُ علمٍ بِها.
فالذي يظهر والله أعلم أن المراد من الأحرف السبعة في الحديث الشريف أوجه متعددة متغايرة من وجوه القراءة، تكون في الكلمة القرآنية الواحدة، بحيث تُقرأ على وجهٍ واحد، أو أكثر من وجهٍ، إلى سبعة أوجه.(٢٧)
ولا يلزم على هذا القول أن يكون في كل كلمة قرآنية أكثر من وجهٍ، بل توجد هذه الوجوه في بعض الكلمات دون بعض.
وقد ورد مثل ذلك في سورة الفرقان، وقد جمع الحافظ ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري كل ما ورد من الخلاف في هذه السورة من القراءات المتواترة والشاذة، فبلغت مواضع الخلاف فيها مائة وثلاثين موضعًا.(٢٨)