أولا: أن الحديث الذي أوردوه لا ينهض حجةً لهم فيما زعموا من الشكّ في الأصل الذي قامت عليه كتابة القرآن وجمعه، إذ إن الآيات التي أنسيها النبي ؟ ثم ذكرها كانت مكتوبة بين يدي النبي ؟، وكانت محفوظة في صدور أصحابه الذين تلقوها عنه، والذين بلغ عددهم مبلغ التواتر- والذين منهم هذا الذي ذكَّرَه، وإنما غاية ما فيه الدلالة على أن قراءة ذلك الرجل ذكرت النبيَّ ؟ بالآيات، وكان قد أُنسيها، أو أسقطها نسيانًا، وليس في الخبر إشارة إلى أن هذه الآيات لم تكن مِمَّا كتبه كتَّاب الوحي، ولا ما يدل على أن أصحاب النبي ؟ كانوا نسوها جميعًا، حتى يخاف عليها الضياع.(٣٧)
ثانيًا: أن روايات الحديث لا تفيد أن هذه الآيات التي سمعها الرسول من أحد أصحابه كانت قد انمحت من ذهنه الشريف جملةً، بل غاية ما تفيده أنَّها كانت غائبة عنه ثم ذكرها وحضرت في ذهنه بقراءة صاحبه، وليس غيبة الشيء عن الذهن كمحوه منه، فالنسيان هنا بسبب اشتغال الذهن بغيره، أما النسيان التام فهو مستحيل على النبي ؟ ؛ لإخلاله بوظيفة الرسالة والتبليغ.(٣٨)
قال الباقلاني(٣٩) وإن أردت أنه ينسى القدرَ الذي ينساه العالْم الحافظُ بالقرآن، الذي لا يُنسَب صاحبه إلى بلادةٍ، فإن ذلك جائز بعد أدائه وبلاغه، والذي يدل على جوازه أنه غير مفسدٍ له، ولا قادح في آياته، ولا مفسد لكمال صفاته، ولا مسقط لقدره، ولا منزل له عنه، ولا معرضٍ بتهمته.(٤٠)
ثالثًا: أن قوله ؟ :( أسقطتها ) مفسرةٌ بقوله في الرواية الأخرى: ( أُنْسِيتُها )، فدل على أنه ؟ أسقطها نسيانًا لا عمدًا، فلا محل لما أوردوه من أنه ؟ قد يكون أسقط عمدًا بعض آيات القرآن.
قال النووي: قوله ؟ :"كنت أُنْسِيتُها" دليل على جواز النسيان عليه ؟ فيما قد بلَّغه إلى الأمة.(٤١)
وترد هنا مسألة وقوع النسيان من النبي ؟، وهي الْمسألة الآتية.
مسألة وقوع النسيان من النبي ؟
وقوع النسيان من النبي ؟ يكون على قسمين: