أما التناقض، فلأنه أثبت للأنفال وبراءة اسمين مختلفين، وفيه مع ذلك أن عثمان ظن أن براءة من الأنفال فقرنَها بِها، وكان الأولى أن يقول: إنهما سورة واحدة.
قال الباقلاني: وقد تضمن ذلك أنَّهما سورتان؛ لأنه سمى كل واحدة باسمها.(٤٨)
وأما الطعن في التوقيف في ترتيب الآي، فلأن قول عثمان: "فظننا أنَّها منها" يدل على أن النبي ؟ لم يفصح بأمر براءة، فأضافها عثمان إلى الأنفال اجتهادًا منه ؟.
وهذا مخالف لِما لا يُحصى من الأخبار الصحيحة الدالة على التوقيف في ترتيب آي السور، ومخالف للإجماع المنقول عن أهل العلم على أن ترتيب آي السور ليس محلاًّ للاجتهاد، وإنَّما كان بتوقيف من النبي ؟. ـ(٤٩)
كما أن قول ابن عباس: "عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى سُورَةِ بَرَاءةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ... فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ" يحمل ما يرد احتجاج هؤلاء بِهذا الحديث، فهو ذا يذكر أن الأنفال من المثاني، وأن براءة من المئين، ويقول: فوضعتموهما في السبع الطوال، وهذا يدل على أن السبع الطوال كانت معلومة توقيفًا قبل الجمع، وكذلك المثاني، وكذلك المئون، وإلا فما وجه استنكار ابن عباس هذا الترتيب؟!
٤ - أما حديث يوسف بن ماهك عن عَائِشَةَ -رَضِي الله عَنْهَا- فيرد عليه بأن هذا العراقي إنَّما سأل عن ترتيب السور، وكان مِمَّن يأخذ بقراءة ابن مسعود، وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة، لم يوافق أول الأمر على الرجوع عن قراءته، ولا على إعدام مصحفه، وكان تأليف مصحفه مغايرًا لتأليف مصحف عثمان، فلذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف.(٥٠)