فكانت هذه العرضة الأخيرة بِمنْزلة الْمراجعة النهائية للكتاب الحكيم، عرض فيها القرآن الكريم مرتين، فأُثبِت فيه جميع الأوجه الثابتة غير المنسوخة، وترك ما نُسِخ منه، فما ثبت في هذه العرضة هو القرآن المحكم المعجز المُتَعَبَّد بتلاوته إلى يوم القيامة، وما لم يثبت فإما أن يكون قرآنًا منسوخًا، وإما أنه ليس بقرآن، وكلاهما ليس له حكم القرآن من التعبد والإعجاز.
وأما ما نزل بعد رمضان الأخير من زمن النبي ؟ -وهو رمضان سنة عشر من الهجرة، وتوفي النبي ؟ في ربيع الأول من سنة إحدى عشرة، وقد نزل قرآن فيما بعد ذلك الرمضان، فكأن الذي نزل بعد تلك العرضة لَمَّا كان قليلاً اغتفر أمر معارضته.(١٤)
ومما نزل بين هذه العرضة الأخيرة وبين وفاة النَّبِيّ ؟
١ - قوله تعالى: } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴿،(١٥) فقد نزلت في يوم عرفة والنبي ؟ بِها باتفاق.(١٦)
٢ - آية الربا، وهي قوله ؟ :﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴿،(١٧) فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهمَا، قَالَ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ؟ آيَةُ الرِّبَا.(١٨)
٣ - قوله ؟: ﴾ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلىَ اللهِ ﴿،(١٩) وقد ورد أنَّها آخر ما نزل من القرآن الكريم.(٢٠)
٤ - آية الدَّيْن، وهي قوله تعالى: ﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ ﴿،(٢١) الآية. فقد ورد عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن أحدث القرآن بالعرش آية الدين.(٢٢)
قال السيوطي: ولا منافاة عندي بين هذه الروايات، في آية الربا، ﴾ وَاتَّقُوا يَوْمًا {، وآية الدين؛ لأن الظاهر أنَّها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف، ولأنَّها في قصة واحدة، فأخبر كلٌّ عن بعض ما نزل بأنه آخِرٌ، وذلك صحيح.(٢٣)
من حضر العرضة الأخيرة من الصحابة