وأول ما أتناوله كتاب ابن قتيبة، فقد طبعته دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة في سنة ١٩٥٨م بتحقيق السيد/ أحمد صقر. وقد وضح غرضه ومنهجه في مقدمته، فقال:" وغرضنا الذي امتثلناه في كتابنا هذا أن نختصر ونكمل، وأن نوضح ونجمل، وأن لا تستشهد على اللفظ المبتذل، ولا نكثر الدلالة على الحرف المستعمل، وألا نحشو كتابنا بالنحو وبالحديث والأسانيد. فإنا لو فعلنا ذلك في نقل الحديث، لاحتجنا إلى أن نأتي بتفسير السلف رحمة الله عليهم بعينه. ولو أتينا بتلك الألفاظ، كان كتابنا كسائر الكتب التي ألفها نقله الحديث، ولو تكلفنا بعد اقتصاص اختلافهم، وتبيين معانيهم، وفتق جملهم بألفاظنا، وموضع الاختيار من ذلك الاختلاف، وإقامة الدلائل عليه، والإخبار عن العلة فيه؛ لأسهبنا في القول، وأطلنا الكتاب، وقطعنا منه طمع المتحفظ، وباعدناه من بغية المتأدب، وتكلفنا من نقل الحديث ما قد وقيناه وكفيناه". (ص٣).
وقصر فيه أيضاً ميدان بحثه على غريب القرآن دون تأويل مشكله، إذ كان قد أفرد للمشكل كتاباً جامعاً كافياً.
وأشار إلى مراجعه وخطته بإزائها في قوله: " وكتابنا هذا مستنبط من كتب المفسرين، وكتب أصحاب اللغة العالميين، لم نخرج فيه عن مذهبهم، ولا تكلفنا في شيء منه بآرائنا غير معانيهم، بعد اختيارنا في الحرف أولى الأقاويل في اللغة، وأشبهها بقصة الآية، ونبذنا منكر التأويل، ومنحول التفسير " (ص٤).
ويتضح تقسيم ابن قتيبة كتابه، من قوله :" نفتتح كتابنا هذا بذكر أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، فنخبر بتأويلهما واشتقاقهما. ونتبع ذلك ألفاظاً كثر تردادها في الكتاب، لم نر بعض السور أولى بها من بعض ثم نبتدئ في تفسير غريب القرآن، فهو إذن ثلاثة أقسام : أولها يشغل ما بين صفحتي ٦، ٢٠ وثانيها ما بين ٢١، ٣٧ والبقية للغريب.


الصفحة التالية
Icon