ولقد كتب كثير من علماء التفسير فيما يتعلق بمسألة الخوض في تحديد دلالة القرآن بدون علم، فها هو الزركشي (ت، ٧٩٤ هـ) في كتابه البرهان في علوم القرآن يقول عن القول في آيات القرآن: " أنه باب عظيم الخطر، ومن هنا تهيب كثير من السلف تفسير القرآن وتركوا القول فيه حذرا أن يزلوا فيذهبوا عن المراد وإن كانوا علماء باللسان فقهاء في الدين. وكان الأصمعي - وهو إمام اللغة - لا يفسر شيئا من غريب القرآن، وحكى عنه أنه سئل عن قوله تعالى: "شغفها حبا" فسكت، وقال: هذا في القرآن، ثم ذكر قولا لبعض العرب في جارية لقوم أرادوا بيعها أتبيعونها، وهى لكم شغاف، ولم يزد على هذا. ولهذا حث النبي ﷺ على تعلم إعراب القرآن وطلب معاني العربية.. واعلم أنه ليس لغير العالم بحقائق اللغة وموضوعاتها تفسير شيء من كلام الله، ولا يكفى في حقه تعلم اليسير منها، فقد يكون اللفظ مشتركا وهو يعلم أحد المعنيين والمراد المعنى الآخر. وهذا أبو بكر وعمر رضى الله عنهما من أفصح قريش، سُئل أبو بكر عن الأب، فقال أبو بكر: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كلام الله ما لا أعلم. وقرأ عمر سورة عبس، فلما بلغ الأب قال: الفاكهة قد عرفناها فما الأب؟ ثم قال: لعمرك يابن الخطاب إن هذا لهو التكلف.. وما ذاك بجهل منهما لمعنى الأب، وإنما يحتمل - والله أعلم - أن الأب من الألفاظ المشتركة في لغتهما، أو في لغات فخشيا إن فسراه بمعنى من معانيه أن يكون المراد غيره" (ج١: ص٢٩٥).


الصفحة التالية
Icon