وأما الإرادة الكونية : فهي قد تكون تارة مما لم يشرعها الله، ولكنه قدرها وهذه الإمارة إنما سُميت بالإرادة الكونية اشتقاقاً من قوله تعالى ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ )]يس٨٢[، فـ ( شَيْئًا ) اسم نكرة يشمل كل شيء، سواء أكان طاعة أو معصية، وإنما يكون ذلك بقوله تعالى ( كُنْ )، أي بمشيئته وقضائه وقدره، فإذا عرفنا هذه الإرادة الكونية - وهي أنها تشمل كل شيء، سواء أكان طاعة أو كان معصية - فلا بد من الرجوع بنا إلى موضوع القضاء والقدر، لأن قوله تعالى ( وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا )، معناه أن هذا الذي قال له ( كُنْ ) جعله أمراً مُقدراً كائناً لابد منه، فكل شيء عند الله عزوجل بقدر، وهذا أيضاً يشمل الخير والشر، ولكن ما يتعلق منه بنا نحن الثقلين -الإنس والجن المكلفين المأمورين من الله عزوجل- أن ننظر فيما نقوم نحن به، إما أن يكون بمحض إرادتنا واختيارنا، وإما أن يكون رغماً عنا، وهذا القسم الثاني لا يتعلق به طاعة ولا معصية، ولا يكون عاقبة ذلك جنة ولا ناراً، وإنما القسم الأول هو الذي عليه تدور الأحكام الشرعية، وعلى ذلك يكون جزاء الإنسان الجنة أو النار، أي : ما يفعله الإنسان بإرادته، ويسعى إليه بكسبه واختياره هو الذي يحاسب عليه، إنْ كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر.
وكون الإنسان مختاراً في قسم كبير من أعماله، فهذه حقيقة لا يمكن المجادلة فيها شرعاً ولا عقلاً.
أما شرعاً : فنصوص الكتاب والسنة متواترة في أمر الإنسان بأن يفعل ما أمر به، وفي أن يترك ما نُهي عنه، وهذه النصوص أكثر من أن تذكر.