هنا لا بد من إيراد الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحهما ليتذكر من شاء أن يتذكر، ويعرف بُعد المسلمين اليوم عن سلفهم الصالح، وعن فقههم، وعن معالجتهم للأمور التي قد تحدث لهم.
ذاك الحديث هو : عن عباس بن ربيعة قال : رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُقبل الحجر ( يعني : الأسود ) ويقول ( إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، فلولا أني رأيت رسول الله ﷺ يُقبلك ما قبلتُك )(١٧)، وما معنى هذا الكلام من هذا الفاروق : لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يُقبلك ما قبلتك ؟!.
إذاً، لماذا قبل عمرُ الحجر الأسود، وهو كما جاء في الحديث الصحيح ( الحجر الأسود من الجنة )(١٨) ؟! فهل قبله بفلسفة صادرة منه، ليقول كما قال القائل بالنسبة لمسألة السائل : إن هذا كلام الله ونحن نقبله ؟! هل يقول عمر : هذا حجر أثر من آثار الجنة التي وُعد المتقون فأنا أُقبله، ولست بحاجة إلى نص عن رسول الله ﷺ ليبين لي مشروعية تقبيله ؟! أم يعاملُ هذه المسألة الجزئية كما يريد أن يقول بعض الناس اليوم بالمنطق الذي نحن ندعو إليه، ونسميه بالمنطق السلفي، وهو الإخلاص في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن استن بسنته إلى يوم القيامة ؟ هكذا كان موقف عمر، فيقول : لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يُقبلك لما قبلتك.
إذاُ الأصل في هذا التقبيل أن نجري فيه على سنة ماضية، لا أن نحكم على الأمور - كما أشرنا آنفا - فنقول : هذا حسن، وماذا في ذلك ؟! اذكروا معي موقف زيد بن ثابت كيف تجاه عرض أبي بكر وعمر عليه] في[(١٩) جمع القران لحفظ القران من الضياع، لقد قال : كيف تفعلون شيئاً ما فعله رسول الله ﷺ ؟! فليس عند المسلمين اليوم هذا الفقه في الدين إطلاقاً.