ومثل هذه البدعة بدعة أخرى : نرى الناس - حتى الفُساق منهم الذين لا زال في قلوبهم بقية إيمان- إذا سمعوا المؤذن قاموا قياماً ! وإذا سألتهم : ما هذا القيام ؟! يقولون : تعظيما لله عزوجل ! ولا يذهبون إلى المسجد، يظلون يلعبون بالنرد والشطرنج ونحو ذلك، ولكنهم يعتقدون أنهم يعظمون ربنا بهذا القيام ! من أين جاء هذا القيام ؟! جاء طبعاً من حديث موضوع لا أصل له وهو ( إذا سمعتم الأذان فقوموا )(٢١).
هذا الحديث له أصل، لكنه حُرف من بعض الضعفاء أو الكذابين، فقال ( قوموا ) بدل ( قولوا ) واختصر الحديث الصحيح ( إذا سمعتم الأذان، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي.. )(٢٢) الخ الحديث، فانظروا كيف أن الشيطان يُزين للإنسان بدعة ]بدعته[(٢٣)، ويقنعه في نفسه بأنه مؤمن يُعظم شعائر الله، والدليل أنه إذا أخذ المصحف يُقبله، وإذا سمع الأذان يقوم له ؟!
لكن هل هو يعمل بالقران ؟ لا يعمل بالقران ! مثلاً قد يُصلي، لكن هل لا يأكل الحرام ؟ هل لا يأكل الربا ؟ هل لا يُطعم الربا ؟ هل لا يُشيع بين الناس الوسائل التي يزدادون بها معصية لله ؟ هل ؟ هل ؟ أسئلة لا نهاية لها، لذلك نحن نقف فيما شرع الله لنا من طاعات وعبادات، ولا نزيد عليها حرفاً واحداً، لأنه كما قال عليه الصلاة والسلام ( ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به )(٢٤)، وهذا الشيء الذي أنت تعمله، هل تتقرب به إلى الله ؟ وإذا كان الجواب : نعم. فهات النص عن الرسول عليه الصلاة والسلام. الجواب : ليس هناك نص. إذا هذه بدعة، ولكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
ولا يُشْكلن على أحد فيقول : إن هذه المسألة بهذه الدرجة من البساطة، مع ذلك فهي ضلالة وصاحبها في النار ؟!
أجاب عن هذه القضية الإمام الشاطبي بقوله ( كل بدعة مهما كانت صغيرة فهي ضلالة ).