فقد رُدت دلالة هذين الحديثين - بالتفسير المذكور للاية السابقة - بدعوى أنها أطلقت القراءة، ولا يجوز عندهم تفسير القران إلا بالسنة المتواترة، أي لا يجوز تفسير المتواتر إلا بالمتواتر، فردوا الحديثين السابقين اعتماداً منهم على تفسيرهم للاية بالرأي أو المذهب.
ما أن العلماء - كل علماء التفسير، لا فرق بين من تقدم منهم أو تأخر - بينوا أن المقصود بالآية الكريمة ( فَاقْرَءُوا )، أي : فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، لأن الله عزوجل ذكر هذه الاية بمناسبة قوله تبارك وتعالى ( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) إلى أن قال ( فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ )]المزمل٢٠[، أي : فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل بخاصة، وإنما يسر الله عزوجل للمسلمين أن يصلوا ما تيسر لهم من صلاة الليل، فلا يجب عليهم أن يُصلوا ما كان رسول الله ﷺ يُصلي - كما تعلمون - إحدى عشرة ركعة.
هذا هو معنى الاية، وهذا في الأسلوب العربي من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، فقوله ( فَاقْرَءُوا )، أي فصلوا، فالصلاة هي الكل، والقراءة هي الجزء، وذلك لبيان أهمية هذا الجزء في ذلك الكل، وذلك لقوله تبارك وتعالى في الاية الأخرى ( أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ )]الإسراء٧٨[ ومعنى (َّ قُرْآنَ الْفَجْرِ )، أي : صلاة الفجر، فأطلق أيضاً هنا الجزء وأراد الكل، هذا أسلوب في اللغة العربية معروف.