ولذلك، فهذه الاية بعد أن ظهر تفسيرها من علماء التفسير دون خلاف بين سلفهم وخلفهم، لم يجُزْ رد الحديث الأول والثاني بدعوى أنه حديث آحاد، ولا يجوز تفسير القران بحديث الآحاد ! لأن الاية المذكورة فسرت بأقوال العلماء العارفين بلغة القران، هذا أولاً، ولأن حديث النبي ﷺ لا يخالف القران، بل يفسره ويوضحه، كما ذكرنا في مطلع هذه الكلمة، وهذا ثانياً، فكيف و الاية ليس لها علاقة بموضوع ما يجب أن يقرأه المسلم في الصلاة، سواءً كانت فريضة أو نافلة ؟!
أما الحديثان المذكوران آنفا، فموضوعهما صريح بأن صلاة المصلي لا تصحُ إلا بقراءة الفاتحة قال ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )(٢٩)، وفي الحديث الاخر ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خِداج، هي خِداج، هي خِداج غيرُ تَمام )(٣٠)، أي : هي ناقصة، ومن انصرف من صلاته وهي ناقصة فما صلى، وتكون صلاته حينئذٍ باطلة، كما هو ظاهر الحديث الأول.
إذا تبينت لنا هذه الحقيقة، فحينئذُ نطمئن إلى الأحاديث التي جاءت عن النبي ﷺ مروية في كتب السنة أولاُ، ثم بالأسانيد الصحيحة ثانياً و ولا نشك ولا نرتاب فيها بفلسفة الأحاديث التي نسمعها في هذا العصر الحاضر، وهي التي تقول : لا نعبأ بأحاديث الآحاد مادامت لم ترِدْ في الأحكام، وإنما هي في العقائد، والعقائد لا تقوم على أحاديث الآحاد.
هكذا زعموا ! وقد علمنا أن النبي ﷺ أرسل معاذاً يدعو أهل الكتاب إلى عقيدة التوحيد(٣١)، وهو شخص واحد.
وفي هذا القدر كفاية بهذه الكلمة التي أردتُ بيانها، وهي تتعلق بـ : كيف يجب علينا أن نفسر القران الكريم ؟
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد واله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :