وكانت لي تجربة في دراسة علم التجويد، بدأت منذ أكثر من ربع قرن من الزمان، وشملت البحث في تاريخ علم التجويد، وتحقيق عدد من كتبه الأولى، ودراسة موضوعاته دراسة صوتية، وأحسب أنني انتهيت إلى نتائج مفيدة في هذه الجوانب، والحمد لله والفضل له.
ولست أهدف في هذا البحث إلى عرض قواعد علم التجويد ودراستها، ولكني أردت الوقوف عند عدد من المسائل المتعلقة بهذا العلم، وهي موضع نقاش بين الدارسين، عسى أن يُسهم ذلك في كشف الحقائق، ويُوحِّدَ الفهم لها، أو يقرِّب وجهات النظر حولها. وسوف أعرض تلك المسائل من خلال المباحث الثلاثة الآتية:
١. نشأة علم التجويد، وأشهر المؤلفات فيه.
٢. علم التجويد في المؤلفات الحديثة.
٣. العلاقة بين علم التجويد وعلم الأصوات اللغوية.
البحث الأول
نشأة علم التجويد وأشهر المؤلفات فيه
(١) علم التجويد وحكم تعلمه :
تأخر ظهور علم التجويد بصورته المستقلة قرنين من الزمان عن وقت ظهور بواكير العلوم الإسلامية، فأول مؤلَّف ظهر فيه كان في مطلع القرن الرابع الهجري، ولا يعني ذلك عدم وجود قضاياه، أو عدم الاعتناء بموضوعه، فعلم التجويد يُعْنَى بدراسة النظام الصوتي للغة العربية، وهو نظام راسخ في اللغة شأنه شأن علم الصرف وعلم النحو، لكن موضوعاته كانت جزءاً من كتب اللغة، خاصة كتب النحو والصرف، على نحو ما نجد في كتاب سيبويه (ت ١٨٠هـ) في الباب الأخير الذي خصصه لموضوع الإدغام، ودَرَسَ فيه النظام الصوتي للغة العربية، كما أن صور النطق ووجوه الأداء كانت موضع عناية علماء قراءة القرآن، منذ أن تلقاه الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - من رسول الله - ﷺ.


الصفحة التالية
Icon