وعلم التجويد له اتصال بحقلين من حقول المعرفة العربية الإسلامية : الأول علوم اللغة، والثاني علوم القرآن، وسبب ذلك أن قواعده في معظمها ذات صفة لغوية، ومجال تطبيقاته الآيات القرآنية، وقد تمكن علماء القراءة في القرن الرابع الهجري من إبرازه علماً مستقلاً، له عنوان متميز، وله كتبه الخاصة به.
وعلى الرغم من أن علم التجويد يشارك علم القراءات في كون موضوعه ألفاظ القرآن، إلا أن علم التجويد يُعْنَى بحقائق النطق، ويبحث في طبيعة الأصوات وخصائصها، بينما يُعْنَى علم القراءات باختلاف وجوه النطق المروية عن القراء.
وكانت هذه الحقيقة واضحة عند علماء القراءة والتجويد، فهذا مكي بن أبي طالب القيسي ( ت ٤٣٧هـ) مؤلف كتاب ( الرعاية لتجويد القراءة ) يقول فيه :" وقد ذكرنا في غير هذا الكتاب ما تُدْغَمُ فيه الذال وغيرها من الحروف، مما اختلف القراء فيه، فأغنى عن ذكر ذلك في هذا الكتاب، فتلك الكتب كتبٌ تُحْفَظُ منها الرواية المختلف فيها، وهذا الكتاب يُحْكَمُ فيه لفظ التلاوة التي لا خلاف فيها، فتلك كتبُ رواية، وهذا كتابُ دراية" (١).
واعتنى محمد المرعشي الملقب ساجقلي زاده ( ت ١١٥٠هـ) بإظهار هذه الحقيقة في كتبه، فقال في كتابه ( جهد المقل) :" إن قلت : ما الفرق بين علمي التجويد والقراءات ؟ قلت : علم القراءات علم يُعْرَفُ فيه اختلاف أئمة الأمصار في نظم القرآن في نفس حروفه أو في صفاتها، فإذا ذُكِرَ شيء من ماهية صفات الحروف فهو تتميم، إذ لا يتعلق الغرض به، وأما علم التجويد فالغرض منه معرفة ماهيات صفات الحروف، فإذا ذُكِرَ فيه شيء من اختلاف الأئمة فهو تتميم، كذا حُقِّقَ في الرعاية" (٢).

(١) الرعاية ص ٢٢٥ - ٢٢٦
(٢) جهد المقل ص ١١٠


الصفحة التالية
Icon