وتحدث المرعشي أيضاً عن هذا الموضوع في كتابه ( ترتيب العلوم)، فقال :" اعلم أن علم القراءة يخالف علم التجويد، لأن المقصود من الثاني معرفة حقائق صفات الحروف مع قطع النظر عن الخلاف فيها، مثلاً يُعْرَفُ في علم التجويد أن حقيقة التفخيم كذا، وحقيقة الترقيق كذا، وفي علم القراءة يُعْرَفُ : فخَّمها فلان، ورقَّقها فلان، وبهذا يندفع ما عسى أن يقال : علم القراءة يتضمن مباحث صفات الحروف، كالإدغام والإظهار، والمد والقصر، والتفخيم والترقيق، وهي مباحث علم التجويد " (١).
ووَصْفُ مكيٍّ لكتب القراءات بأنها كتب رواية، وكتب التجويد بأنها كتب دراية، لا يعني انفصال الدراية عن القراءات أو الرواية عن التجويد، ومن ثم يجب أن يُحمل على إرادته غلبة جانب الرواية والنقل على علم القراءات، وجانب الدراية والاستنباط على علم التجويد، يُبيّنُ ذلك قول مكي نفسه في الرعاية :" فإذا اجتمع للمقرئ النقلُ والفطنةُ والدرايةُ وجبت له الإمامة، وصحَّت عليه القراءة، إن كانت له مع ذلك ديانة" (٢)
ولا يعني ذلك أيضاً حرية القارئ في الاجتهاد في أحكام التجويد، فالدراية معناها الفهم والتعقل للمَرْوِيِّ، وليس الخروج عليه، فالقراءات تؤخذ رواية أي عن طريق الحفظ، وقواعد التجويد تعتمد على الدراية، أي على التَّفَهُّمِ للأحكام، وتفسير العلل التي أدَّت إليها. (٣)
(٢) الرعاية ص ٩٠
(٣) ينظر : بحث ( علم القراءة بين الرواية والدراية ) منشور في المجلة العراقية للعلوم الإسلامية، العدد الأول بغداد ١٤٢٣هـ = ٢٠٠٥ ( ص ٧٦- ١٠٠