ولا شك في أن القول بنزول القرآن بلغة قريش ينأى عن الإشكالات التي يثيرها القول بنزول القرآن بلغة عدد من قبائل العرب أو لغة جميعهم، كما ذهب إلى ذلك عدد من علماء السلف، كما سنبين في الفقرة اللاحقة، أو القول بنزول القرآن باللغة العربية الأدبية المشتركة التي يفترض بعض الباحثين المحدثين وجودها في عصر نزول القرآن (١). كما أن القول بنزول القرآن بلغة قريش لا يتعارض مع ما جاء في الروايات الصحيحة من نزول القرآن على سبعة أحرف، كما سنبين ذلك في الفقرة الآتية من هذا البحث.
(٢) الرخصة في القراءة :
يمكن للدارس أن يقسم تاريخ قراءة القرآن في عصر النبوة على فترتين : المكية والمدنية، وذلك بالاستناد إلى التنوع اللغوي للمخاطبين وعدمه، ففي الفترة المكية كان هناك تجانس لغوي بشكل عام بين المؤمنين الداخلين في الدين، فمعظمهم من أهل مكة وسكان مكة هم من قبيلة قريش، فلم يكن يصعب عليهم تلاوة القرآن بالنطق الذي يتلقون به القرآن من النبي - ﷺ.
وفي الفترة المدنية حدث تغيير من ناحيتين : الأولى : دخول أفراد من قبائل عربية شتى في الإسلام، من بيئات لغوية مختلفة، والثانية : ازدياد أعداد الداخلين في الدين، خاصة بعد فتح مكة، حين تقاطرت وفود القبائل على المدينة من أقطار الجزيرة العربية، حتى سميت سنة تسع من الهجرة سنة الوفود (٢).
وقد ترتب على ذلك التغير أمران : الأول : الحاجة إلى المعلمين الذين يقومون بتعليم تلك الجموع الغفيرة، والثاني : بروز صعوبات تعترض المتعلمين تتعلق بالخصائص اللغوية، أو تفاوت القدرات الذهنية في الحفظ والضبط.

(١) يمكن الاطلاع على مناقشة مفصلة للموضوع في بحثي ( تكَوُّن العربية الفصحى ) المنشور في مجلة مجمع اللغة العربية الأردني، العدد ٤٨، السنة ١٩٩٥
(٢) ينظر : ابن هشام : السيرة النبوية ٢/٥٥٩


الصفحة التالية
Icon