وذهب آخرون إلى أن ذلك واجب على كل من قرأ شيئاً من القرآن كيف ما كان، لأنه لا رخصة في تغيير اللفظ بالقرآن وتعويجه واتخاذ اللحن إليه سبيلاً، إلا عند الضرورة، قال الله تعالى :( قرآناً عربياً غيرَ ذي عِوَجٍ ) [ الزمر ٢٨ ] (١)، وقال ابن الجزري مُعَقِّبًاً :" وهذا الخلاف على هذا الوجه الذي ذكره غريب، والمذهب الثاني هو الصحيح، بل الصواب على ما قدمنا، وكذا ذكره الإمام الحجة أبو الفضل الرازي في تجويده، وصوَّب ما صوَّبناه، والله أعلم ". (٢)
وأحسب أن موضوع الالتزام بقواعد التجويد لا ينبغي أن يكون موضع نظر أو نقاش، فكما أن القراءة سُنَّةٌ يأخذها الآخِر عن الأول، فكذلك التجويد، لأن أحكام التجويد مُضَمَّنَةٌ في القراءات المروية، ولا أظن أن أحداً يقول بإمكانية تغيير حركات الإعراب، فكذلك أحكام التجويد من إدغام وإخفاء، أو ترقيق وتفخيم، أو مد وقصر، كل ما في الأمر أن هذه الأحكام تحتاج إلى نظر أدق، قال السعيدي ( ت ٤١٠هـ) :" فاللحن الجليُّ يعرفه المقرئون والنحويون، وغيرهم ممَّن شمَّ رائحة العلم، واللحن الخفيُّ لا يعرفه إلا المقرئ المتقن الضابط... " (٣)، ويجب التفريق بين القول بوجوب الأخذ بأحكام التجويد، والتنطع والمبالغة في أدائها، مما يخرج إلى التكلف، وإنما ينبني الكلام وتقوم الأحكام على النطق الجاري على استقامة الطبع، لا على التكلف (٤).
وأود أن أُذكِّرَ الذين قد يستصعبون مراعاة قواعد التجويد في القراءة، ويرغبون في التحرر منها، بأن هذه القواعد قد أسهمت في تحقيق أمرين :

(١) الموضح ورقة ٨ و- من نسخة راغب باشا رقم ١٦
(٢) النشر ١/٢١٢
(٣) رسالتان في تجويد القرآن ص ٢٨
(٤) ينظر : المرعشي : جهد المقل ص ١٢٩- ١٣٠


الصفحة التالية
Icon