ولا يكفي وجود مبحثٍ للمخارج في أي كتاب من تلك الكتب للدلالة على صحة المنهج، لأن طريقة معالجة الموضوع في الغالب تتسم بالتقليد ونقل وجهة نظر القدماء كما هي، من غير ملاحظة ما استجد في بحث هذا الموضوع، سواء من حيث عدد المخارج أو طريقة تحديدها، ولا يشكل اختلاف المتقدمين في عدد المخارج قضية كبيرة، فلكل وجهة نظره، لكن إفراد الضاد بمخرج مستقل لم يعد يتوافق مع النطق المعاصر للصوت ومن ثم فإن القول إن عدد المخارج ستة عشر مخرجاً أو سبعة عشر لم يعد مقبولاً.
وتتلخص قضية صوت الضاد في أن تحديد سيبويه لمخرجه لم يعد يتطابق مع نطقه المعاصر، كما أشرت، فسيبويه يقول في مخرجه :" من بين أول حافة اللسان وما يليها من الأضراس مخرج الضاد " (١). ونقل علماء العربية وعلماء التجويد هذا التحديد لمخرج الضاد عن سيبويه، وفعل ذلك المحدثون من المؤلفين في علم التجويد أيضاً. وعدَّ سيبويه الضاد من الأصوات الرخوة بالإضافة إلى كونها صوتاً مجهوراًً، مُطْبَقاً، مستطيلاً. (٢).
والضاد بهذه الصفات لم يعد لها وجود في النطق العربي الفصيح في زماننا، لا في قراءة القرآن، ولا في غيرها، كما يقول علماء الأصوات المحدثون، وقد تحولت إلى دال مطبقة في نطق كثير من العرب، كما في بلاد الشام ومصر، وهو المأخوذ به في قراءة القرآن أيضاً. وصارت على ألسنة آخرين من العرب صوتاً لا يختلف عن الظاء، كما في العراق وبلدان الخليج العربي (٣).
ولم يخرج ما جاء في ( فن الترتيل وعلومه ) و ( المنير في أحكام التجويد ) في تحديد مخرج الضاد عن تحديد القدماء لمخرجه (٤).
(٢) الكتاب ٤/٤٣٤- ٤٣٥
(٣) ينظر : إبراهيم أنيس : الأصوات اللغوية ص ٤٨، ويوسف الخليفة أبو بكر : أصوات القرآن ص ٦٩، وحسام سعيد محمود النعيمي : أصوات العربية ص ٥٠
(٤) ينظر : فن الترتيل ٢/٥٦٤، والمنير ص ١٠٧