وإذا أخذنا نطق مجيدي قراءة القرآن في زماننا لصوت الضاد بنظر الاعتبار فإن ذلك يستدعي إعادة النظر في طريقة تحديد مخرجه، وأنّ تمسك مؤلفي كتب علم التجويد المعاصرين بعبارة سيبويه في تحديد مخرج الضاد لم يعد مناسباً، وأن عليهم أن يفكروا في وصف جديد لمخرج هذا الصوت يتطابق مع نطقه الفعلي على ألسنة مجيدي القراءة.
والوصف المناسب للضاد اليوم هو : أنه صوت لِثَوِيٌّ، شديدٌ، مجهورٌ، مُطْبَقٌ. فلم يعد مخرجه من الحافة، كما حدده سيبويه، وتحول من الرخاوة إلى الشدة، كما أنه فقد صفة الاستطالة، هذا هو الراجح في مسألة الضاد، وقد يكون لبعض الدارسين وجهة نظر مغايرة، لكن الدليل هو الذي يرجح الأقوال، أو يردها (١).
(٢) صفات الحروف :
تتحدد ملامح الصوت اللغوي من خلال الموضع الذي يحدث فيه الحبس للنفس أو التضييق له، وهو المخرج، ومن خلال الكيفيات المصاحبة لتكوُّن الصوت في مخرجه، وهي الصفات. وقد اعتنى علماء التجويد بمبحث الصفات على نحو ما فعلوا بمبحث المخارج، لكن معالجة المحدثين لموضوع الصفات لا يخلو من ضعف في بعض الجوانب، خاصة في تعريف الصوت المجهور والمهموس، وتقسيم الحروف على هاتين الصفتين.
وكان سيبويه - رحمه الله تعالى - قد تحدَّث عن صفات الأصوات حديثاً دقيقاً ومفصلاً، وصار ما كتبه في ذلك أساساً للدرس الصوتي العربي، لكن عبارته في تعريف الصوت المجهور لا تخلو من غموض لم يتمكن العلماء من إزالته إلا في العصر الحديث، بعد تشريح الحنجرة وتقدم دراسة علم الصوت، وقد ظل المؤلفون في علم التجويد من المحدثين يرددون عبارة سيبويه بعد أن أدَّت كثرة تناقلها في الكتب وتقادم العهد بها إلى حصول تحريفات فاحشة فيها، زادت من الغموض فيها حتى صارت أشبه ما تكون بالألغاز أو الأحاجي.

(١) ينظر : مناقشة الموضوع : أبحاث في علم التجويد ص ٨٨- ٩٢، وتفصيل قضية الضاد في المصدر نفسه ص ١٤٦- ١٦٦


الصفحة التالية
Icon